التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ

حديث الجمعة 07 ربيع الأوّل 1446هـ .

شبكة مزن الثقافية مسجد المحسن بسيهات
سماحة الشيخ جواد آل جضر
سماحة الشيخ جواد آل جضر

قَالَ تَعَالَى : ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)  آية 122 سورة التّوبة.

الحديث 12 حديثًا : ( ميزان الحكمة – الري شهري – ج7 – حرف ف ص526 + ص 527 )

- " إذا تفقّهت فتفقّه في دينِ اللهِ  ".
- " تفقهوا في دين الله، فإنّ الفقهَ مفتاحُ البصيرةِ، وتمامُ العبادةِ، والسببُ إلى المنازلِ الرفيعةِ والرتبِ الجليلةِ في الدّين والدُّنيا، وفضلُ الفقيهِ على العابدِ كفضلِ الشّمسِ على الكواكبِ، ومن لم يتفقّه في دينه لم يرضَ اللهُ له عملًا " .
- " إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا فقّهه في الدّين، وألهمه رشده " .
- " إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا فقّهه في الدّين، وزهّده في الدُّنيا، وبصَّرَهُ عيوبَهُ " .
- " إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا فقّهه في الدِّين، وألهمه اليقين " .
- " ليتأسَّ صغيرُكُم بكبيرِكُم، وليرأف كبيرُكُم بصغيرِكُم، ولا تكونوا كجفاة الجاهليّةِ، لا في الدّين يتفقّهون، ولا من اللهِ يعقلون... " .
- " تعلموا القرآنَ فإنّهُ أحسن الحديث، وتفقّهوا فيه فإنّهُ ربيعُ القلوبِ " .
- " ما عُبِدَ اللهُ تعالى بشيءٍ أفضل من الفقه في الدّين"  وزادَ فيه " ونصيحة المسلمين".
- " إنّ لكلِّ شيءٍ دعامة ودعامة هذا الدّين الفقه " .
- " من فقه في الدّين كثر " .
- " أفّ لكلِّ مسلمٍ لا يجعلُ فِي كلِّ جمعةٍ  يومًا يتفقّه فيه أمر دينه ويسألُ عن دينِهِ " .
-  من وصايا أميرُ المؤمنينَ لابنه الحسن عليهما السلام  : "وخُضِ الغمرات للحقِ حيثُ كان، وتفقّه في الدِّين " 

 الآيةُ القرآنيةُ الكريمةُ والمعزَّزَةُ بالأحاديثِ والرّواياتِ الشّريفةِ تتناولُ موضوعًا مُهمًّا للغايةِ وعنوانُهُ ( التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ ) .

 بالرّجوع للتّفاسير القرآنية تجدون تفاصيلَ مهمةً وجميلةً وجَذَّابةً في الآية القرآنية الكريمة وتجدون الوجوه العديدةَ المحتملة لتفسير الآية.

 يُمكنكُم الرّجوع لتفسير واحدٍ فقط مثل مجمع البيان للطبرسي وتجدون تفسيرَ الآية الشريفة المذكورة في المجلد الخامس صفحة 124.

 وخلاصةُ ما قيلَ في الوجوه المتعددة لفهم وتفسير الآية هو :

وجُودُ فريقين أو فئتين تتوَزَّعُ بينهما مهمّة التفقّه في الدّين على النّحو الآتي :

1-فئةٌ أو فريقٌ يتعلّمُ الدِّينَ أو يتفقَّهُ في الدّينِ، هذه هي الفئةُ الأولى.

2-وفئةٌ تتلقَّى حصيلةَ ما تعلّمهُ الفريقُ الأوّلُ من علم الدّين أو فقه الدّين.

 فريقٌ لم يكن يعلَم ثمّ سعى للتّعلّم من مصادر التّعلّم.

 فريقٌ لم يكن يعلَم ثمّ سعى للتّعلّم من الفريقِ الأوّل بعد حصولِهِ على العِلْمِ من مصادر التّعلُّمِ.

 وهذه القسمة تُذكّرُنا بما قاله أميرُ المؤمنين عليه السّلام لصاحبه المخلص والمتعلّم كميل بن زياد النّخعي : " إِنَّ هذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ، فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا، فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ : النَّاسُ ثَلاَثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ، وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِق، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيح، لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَلْجَؤُوا إِلَى رُكْن وَثِيق  " بحار الأنوار – ج75 – ص 76 وأيضًا نهج البلاغة.

 وهذا الكلامُ أيضًا يَنْقلُنَا لقولٍ آخر جميل جدًا ومهم للغاية وهو قوله عليه السّلام :
" مَا أَخَذَ اللهُ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا " نهج البلاغة 478، خصائص الأئمة 125، تنبيه الخواطر 2 / 115 ، غرر الحكم ، عوالي اللئالئ 4 / 7 / 41.

  •  وفي نفس المعنى يقول عليه السّلام :

" مَا أخَذَ اللَّهُ ميثاقاً مِن أهلِ الجَهلِ بِطَلَبِ تِبيانِ العِلمِ حَتّى‏ أخَذَ ميثاقاً مِن أهلِ العِلمِ بِبَيانِ العِلمِ لِلجُهّالِ ؛ لأِنَّ العِلمَ كانَ قَبلَ الجَهلِ ".

 وكلامه عليه السّلام يتوافقُ مع ما جاء في كتابِ اللهِ، وكيفَ لا يكونُ كذلكَ والقرآنُ هو الكتابُ الصامتُ وأميرُ المؤمنينَ هو الكتابُ الناطقُ :

1- قَوْلُهُ تَعَالَى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)  آية 174 سورة البقرة.

2- وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (  إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)  آية 159 سورة البقرة.

  •  نعودُ للحديثِ عن الفئتين أو الفريقينِ في نقاط :

1- الفريقُ الثّاني يتعلّمُ ويتفقّهُ من الفريقِ الأوّل، وهو ( المتعلّمُ على سبيلِ نجاةٍ ) .
2- ولكن ما هي المصادر التي أخذَ منها الفريقُ الأوّل علمَهُ وفِقْهَهُ !؟
3- الفريقُ الأوّل يأخذُ العلمَ في زمن الآية من رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله، وفي بعض وجوه الآية هم الذين كانوا يسكنون بعيدًا عن رسول الله صلّى الله عليه وآله خارج المدينة المنوّرة ولا يستطيع الكلّ أنْ يقصدَ رسولَ الله ليتعلّمَ الدّين فإنّهم إنْ فعلُوا ذلكَ تعطّلت مصالحُ معيشتهم فينفرُ فريقٌ منهم أي يسافر إلى المدينة ويتعلّم من رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله ثُمَّ يعود هذا الفريقُ لمحلِ إقامتهم ويقومون بدور التّعليم للآخرين.

4- وفي وجهٍ آخر لتفسيرِ الآيةِ فإنّها تعني النّاسَ المتواجدين مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله ولكنّهم يخرجون للجهادِ ويبقى فريق للتّعلّم من رسولِ الله صلّى الله عليه وآله؛ لأنّ الآياتِ لا زالت تنزلُ عليه ولا زالَ الوحيُ ينزلُ عليه بأحكام الشريعة ثُمَّ يعودُ فريقُ الجهادِ ويتعلّم ما فاته حين غاب من الفريق الذي بقيَ في المدينةِ المنوّرة مع رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله .

5- وحتّى تتضح الصّورةُ أكثر علينا أنْ نعلَمَ الفرق في الجهاد بين الغزوةِ والسّريةِ، فالغزوةُ هي خروجُ المسلمين لجهادِ الكفّار بقيادةِ رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله، أمّا السَّرِيَّةُ فهي فريقٌ يخرجُ لجهادِ الكفّار مع بقاءِ النّبيِّ الأكرم صلّى الله عليه وآله في المدينة المنوّرة ولكنّه يجعلُ على السّريّة قائدًا ويأمر الآخرين بطاعتهِ واتّباعهِ ويزوّدهم بكلِّ التّعليمات المطلوبة في الحالتين: السّلمِ والقتالِ.

6- ومِنْ مُؤَيداتِ هذا الوجه في تفسير هذه الآية ما نقله الطبرسي عليه الرحمةُ في تفسيرِهِ (مجمع البيان) ج5 ص 126 عن الإمامِ الباقرِ عليه السّلام : " كَانَ هَذَا حِينَ كَثُرَ النَّاسُ فَأَمَرَهُم اللهُ أنْ تَنْفُرَ مِنْهُم طَائِفَةٌ وَتُقِيمُ طَائِفَةٌ للتَّفَقّهِ وَأَنْ يَكُونَ الغَزْو نِوَبًا " ونوبًا تعني المناوبة والمبادلة.

7- ومصادرُ التّعلُّمِ والتّفقُّهِ بَعْدَ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآلهِ محصورةٌ فِي الثِّقْلين أو الثَّقَلَيْنِ وهُمَا كتابُ اللهِ عزّ وجلّ وعترتُهُ أهل بيته:

قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله : " إنِّي تَارِكٌ فِيكُم الثَّقَلَيْنِ أوَ الثِّقْلينِ : كِتَابَ اللهِ عَزَّ وجلَّ وَعِتْرَتِي كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنِ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي وَإِنّ اللّطِيفَ الخَبِيرَ أَخْبَرَنِي أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ، فانْظرُونِي بِمَ تُخَلِّفُونِي فِيهِمَا !!؟ ".

 جاءَ فِي الويكيبيديا : ( حديثُ الثَّقَلَينِ هو حديثٌ نبويٌّ صحيحٌ عندَ أَهلِ السّنةِ والجماعةِ وَالشّيعةِ (مَعَ اختلافِ الرّواية بينهما) مرويٌ عن رسولِ اللهِ [ صلّى اللهُ عليهِ وَآلهِ ] في يوم 18 من ذي الحجة سنة 10 هـ، في طريقِ عودته بعد حجةِ الوداع في غديرٍ يُدعى (خُم)  قُرب الجحفة.

يستندُ عليهِ الشّيعةُ مع مجموعةٍ من الأحاديث الأخرى في أحقيةِ عَلِي بن أبي طالبٍ في الإمامةِ والخلافةِ ووجوبِ اتّباعهم وطاعتهم بعدَ وفاةِ الرسول محمدٍ [ صلّى اللهُ عليهِ وَآلهِ ] بينما يعتقدُ أهلُ السّنةِ والجماعةِ بأنَّه دلالة على منزلةِ علي بن أبي طالب العالية، ولا يستوجب أحقيته بالخلافة.

 رَصَدَ صَاحِبُ كِتَابِ غاية المرام وحجة الخصام المصادرَ الشّيعيّةِ التي أوردت الحديثَ بألفاظه المختلفة فكانت 82 حديثًا كلّها تتحد معَ حديثِ الثّقلينِ مضمونًا وفِي شتَّى المصادر ومنها: أمالي الطوسي، عيون أخبار الرّضا، غيبة النعماني، بصائر الدّرجات، وغير ذلك من المصادر التي لا يسع المجال لذكرها هنا. ( غاية المرام وحجة الخصام – ج2 – ص320 إلى ص367 ) ( المؤَلّف : السّيّد هاشم البحراني الموسوي التوبلي ) 7 أجزاء.


 ثلاثةُ أسئلةٍ مهمّة :

 السّؤالُ الأوّل : 

أ / عرفنا الفريق الأوّل في زمن رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وَآلهِ وزمنِ المعصومين، فمن هم الفريق الأوّل أو الفئة الأولى في زمان غيبةِ مولانا الحجّة بن الحسن عجّل اللهُ تعالَى فرجَهُ الشّريف !!؟

ب / ومَا هِي مَصادرُ التّعلّمِ والتّفقُّهِ لَدَيهم حتّى يتمكّنُوا مِنْ نَقلِ العلمِ والفقهِ إلى الفريقِ الثّاني أوالفئةِ الثّانية !!؟

 السّؤالُ الثّاني: 

مَا هي المستوياتُ والدّرجاتُ المطلوبةُ مِنِ النّاسِ فِي تَعَلُّمِ أُمُورِ الدِّين وتفقُّهِ أحكام الشّريعةِ ؟

 السّؤالُ الثّالث : 

هَلْ يُقْبِلُ النّاس على التّفقُّهِ فِي الدّين ؟
هذه الأسئلة الثلاثة ستكون محور حديثنا للجمعات الثلاث القادمة إن شاء الله تعالى 


والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ وصلّى اللهُ على سيدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطّيّبينَ الطَّاهِرينَ