لماذا أرض كربلاء ؟

اقرأ للكاتب أيضاً
  • تمهيد :

شاءت إرادة الله جل وعلا أن يجعل من بعض الأزمنة والأمكنة بركات وفيوضات من قبله سبحانه ، ومن قِبل أولياءه وملائكته ، وهذا لا شك ولا شبهة فيه للتنصيص عليه من الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
ومن الأمثلة المذكورة للتشريف الزمني :
قال جل ذكره : ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ
وقال سبحانه : ﴿وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ
وغيرها ..

ومن الأمثلة المذكورة للتشريف المكاني :
قال جل من قائل : ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَـا لِلْعَالَمِينَ
وذكر جل قدسه : ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ
وغيرها .. وغيرها ...

إذاً : لا شك في أن الله خالق كل شيء بإرادته جعل من بعض الأزمنة ، أن يكون لها شرفاً ومكانةً ومزيدا ، وكذلك بعض الأماكن والأراضي حيث جعل سبحانه من بعضها مهوى أفئدة من الناس .

وبه يتبين : أن الاعتقاد بشرف بعض الأوقات ، أو بعض الأماكن هو من صميم الدين وأنه في غاية التناغم والانسجام مع باقي حلقات العقيدة الغراء .

  • وبعد هذا التمهيد ، يأتي السؤال : لماذا أرض كربلاء ؟

من ناحية الاختيار : أي من ذا الذي أختار أرض كربلاء المقدسة لكي تسجد فيها وعليها دماء تلك الأقمار المنيرة والأنجم الزاهرة ، هل هو الله سبحانه وتعالى ؟ أم أنه الإمام الحسين   ؟

الجواب : الظاهر أنه لا فرق ، لأن لله عباد متى ما شاءوا شاء الله ، ومتى ما أرادوا أراد الله ، وبه يتضح : إن قلنا أنه اختيار الإمام عليه السلام ، فهو يدل على إرادة الله سبحانه ، وإن قلنا أنه اختيار الله جل وعلا فإنه يدل على اختيار الإمام عليه السلام ، وهو وما يعبر عنه بـ ( انطباق الإرادتين ) .
وكيف كان ...

السؤال : لماذا وقع الاختيار على أرض كربلاء الطاهرة ؟ وما هي مكانة هذه البقعة الشريفة ؟ وما هي تأثيراتها التكوينية والتشريعية ؟ وما هي حدودها ؟ وحدود حائرها ؟ وحدود حرمها ؟ وتموجات تربتها ؟ وو ومئات إن لم نقل آلاف الإستفهامات ؟

وقبل الإشارة إلى بعض ما يتعلق بالأمر يلزم التنبيه على :

أن النص الشريف ( القرآن ، أو الرواية ) هو المنبع الأصيل والأول للتشريع كما لا يخفى ، فإذا ثبتت عظمة بعض الأزمنة أو الأمكنة – كما تقدم – لوجود النص الشريف ( القرآني ) ، فإنه كذلك وبذات القدر العقدي تثبت العظمة والشرف والمكانة العالية بالنص ( الروائي ) ، وهذا لا خلاف ولا شبهة فيه ، كما حققه العلماء في الأصول .
وإذا صوبنا النظر – القاصر – نحو الروايات الشريفة التي ذكرت ( أرض كربلاء ) فإنها كثيرة جداً ، تصل إلى درجة الاستفاضة إن لم نقل أكثر من ذلك ، ويمكن مراجعة الكتب : كامل الزيارات ، بحار الأنوار ، الوسائل .

ومن هذه الروايات الشريفة والتي يمكن لنا أن نستمد منها أشارات أو كما يعبر بعض المثقفين ( أفلاشات ) نحو الإجابة على السؤال : لماذا أرض كربلاء ؟ ومن هذه الروايات :
• عن كتاب الوسائل المجلد العاشر حديث (5) باب 68 من أبواب المزار قال : في خبر عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن أبي جعفر قال : ( خلق الله كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين آلف عام وقدسها وبارك عليها ، فما زالت قبل أن يخلق الله الخلق مقدسة مباركة ، ولا تزال كذلك وجعلها الله أفضل الأرض في الجنة ) .

• وفي المصدر نفسه : عن أبي عبد الله أنه قال : ( ويحك إذا علمت أن الله أتخذ كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يتخذ مكة حرما ) .

• وفي المصدر نفسه حديث ( 2) : خبر عمر بن يزيد عن أبي عبد الله قال : ( عن أرض مكة قالت : من مثلي وقد بني بيت الله على ظهري يأتيني الناس من كل فج عميق وجعلت حرم الله وآمنه . فأوحى الله إليها : كفي وقري ، ما فضل ما فضُلت به فيما أعطيت أرض كربلاء إلا بمنزلة الإبرة غمست في البحر ، فحملت ماء البحر ولولا تربة كربلاء ما فضلتك ولولا ما ضمنته كربلاء لما خلقتك ولا خلقت الذي افتخرت به، فقري واستقري وكوني ذنباً متواضعاً ذليلاً مهيناً غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء )

ومنه يمكن القول :

أن أرض ( مكة المكرمة ) أو ( الكعبة الشريفة ) سواءً حدود البيت ، أو حدود الحرم ، هي الأرض المقدسة التي تهوي إليها قلوب الناس ، ولكن أرض كربلاء ، تهوي إليها قلوب المؤمنين ، فهنا بين وهنا بيت ، وهنا حرم وهنا حرم أعظم ، فلا ريب أن أرض كربلاء أقدس الأراضي وأعظمها واجلها – هذا على وجه العموم – أما لو أردنا البحث عن جزئيات هذه الأرض كالحرم ، والحضرة ، والجدث ، والروضة ، والضريح ، والقبة ، وموضع الرأس الشريف ، والمشهد المقدم ، والتربة الطاهرة ، والطين المقدس ، ووو لجف القلم وتزلزل البحث !!

فإن اليوم الذي وصل فيه الركب الطاهر إلى أرض قاحلة تقع على نهر الفرات ، عندها ألتفت الحسين إلى أصحابه وقال : ما أسم هذا المكان ؟
قالوا : كربلاء .
ودمعت عيناه وقال ( ... هذا موضع كرب وبلاء هاهنا مناخ ركابنا ، ومحط رحالنا وسفك دمائنا .. )
فعندما نستمع إلى قصة وصول ( كوكبة الحق ) إلى أرض كربلاء بالتفصيل المعروف والمشهور ! ينبغي أن ندرك أن ذلك هو الإعلان للواقع الخارجي عن بدء الكشف عن سر وعظمة ومكانة وعلوا ورفعة أرض كربلاء ، كي نتعرف على جزء بسيط من إجابة السؤال المعنون به المقال .


     طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم
   وسلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد
     الحسين وعلى أصحاب الحسين                


كاتب ومؤلف ( السعودية )