الإمام موسى الكاظم (ع) قاضي حوائج السائلين
لم يختلف الناس في المدينة أيام وجود سابع الأئمة الطاهرين موسى بن جعفر الكاظم في أنه كان أفقه أهل زمانه وأعظمهم محلاً وأبعدهم في الناس صيتاً ولم ير في زمانه أسخى منه وكان أعبد أهل زمانه و أورعهم ، وكان إذا قرأ القرآن يحزن ويبكي السامعون لتلاوته وكان الناس بالمدينة يسمونه ( بزين المتهجدين ) .
وهذا مما لم يختلف عليه اثنان آنذاك ، ولكن من أخلص له الولاء والمحبة يعلمون أنه فوق كل ذلك بلا شك ولا ريب وأنه أعظم وأجل من أن يقارن به أحد من أهل زمامه أو غيرهم لأنه كان الإمام المعصوم وخليفة الله في أرضه وسمائه ، فكان بعض الأصحاب يعلمون مكانته وجلالة قدره ، بل أعظم من ذلك إذ إلتجأت إليه الأسود لقضاء حوائجها بتذلل تقشعر له الجلود ، ونذكر هنا رواية بهذا الشأن علّنا نستمد ونستلهم منها بعض العبر :
روى علي بن أبي حمزة البطائني ، قال : خرج أبو الحسن موسى في بعض الأيام من المدينة إلى ضيعة له خارجة عنها ، فصحبته أنا وكان راكبا بغلة وأنا على حمار لي ، فلما صرنا في بعض الطريق اعترضنا أسد ، فأحجمت خوفا وأقدم أبو الحسن موسى غير مكترث به ، فرأيت الأسد يتذلل لأبي الحسن ويهمهم ، فوقف له أبو الحسن كالمصغي إلى همهمته ووضع الأسد يده على كفل بغلته ، وقد همتني نفسي من ذلك وخفت خوفا عظيما ، ثم تنحى الأسد إلى جانب الطريق وحول أبو الحسن وجهه إلى القبلة وجعل يدعو ، ويحرك شفتيه بما لم أفهمه ثم أومأ إلى الأسد بيده أن امض ، فهمهم الأسد همهمة طويلة وأبو الحسن يقول : " آمين آمين " وانصرف الأسد حتى غاب من بين أعيننا . ومضى أبو الحسن لوجهه واتبعته ، فلما بعدنا عن الموضع لحقته فقلت له : جعلت فداك ، ما شأن هذا الأسد ؟ فلقد خفته - والله - عليك ، وعجبت من شأنه معك . فقال لي أبو الحسن : " إنه خرج إلي يشكو عسر الولادة على لبوءته وسألني أن أسأل الله أن يفرج عنها ففعلت ذلك ، وألقي في روعي أنها تلد ذكرا له ، فخبرته بذلك ، فقال لي : امض في حفظ الله ، فلا سلط الله عليك ولا على ذريتك ولا على أحد من شيعتك شيئا من السباع ، فقلت : آمين .
ومن الواجب علينا أن نتمعن في هذه الرواية ونتأمل لاستخراج بعض ما ينبغي علينا القيام به تجاه أمامنا الكاظم :
- أولاً :
يجب علينا أن نغتنم نعمة الله علينا حين جعل لنا أئمة يهدون بأمره وأبواباً لساحات قدسه ، فيلزم علينا أن نتوجه إليهم لقضاء حوائجنا في الدنيا والأجرة ، وأن لا نستحي عند الطلب حتى في الأمور التي تبدوا بسيطة فهم وجه الله الذي منه يؤتى ، كما أننا نتوجه إليهم لمعرفة أحكام الدين والحلال والحرام في جميع مسائلنا الواجبة منها والمستحبة ، كذلك ينبغي لنا أن نتوجه إليهم في قضاء جميع حوائجنا بلا استثناء ، فأنظر إلى الإمام الكاظم ماذا قال عن الأسد : ( خرج إلي يشكوا عسر الولادة على لبؤته ) فالأولى من أن يفزع الحيوان وهو الذي يبدوا مسيراً إلى سيده ومولاه !! أن يفزع الإنسان العاقل المختار إلى إمامه وولي نعمته .
- ثانياً : التأدب عند طلب الحاجة :
فلنتأمل كيف وصف علي بن حمزة البطائني سؤال الأسد لأبي الحسن موسى بن جعفر : قال : ( فرأيت الأسد يتذلل لأبي الحسن ويهمهم .. ووضع الأسد يده على كفل بغلته .. ثم نتحى الأسد إلى جانب الطريق .. ) .
فمن الواجب علينا أن نتلبس بالآداب عند سؤال حوائجنا من الإمام موسى الكاظم أو من أحد أهل البيت وأن نتحلى بأرقى وأجمل صور الآداب ومن هذه الآداب التي ينبغي الإلتفات إليها :
أ ) عند الوقوف أمام أحد الأئمة يلزم علينا الوقوف بوقار وأدب وخشوع وتذلل كما صنع الأسد مع الإمام الكاظم .
ب ) اختيار أجمل التعابير والكلمات والجمل عند مخاطبة المعصوم فأنظر إلى الأسد : ( يهمهم ) و ( وقف له أبو الحسن كالمصغي إلى همهمته ) نحن صحيح لا نعلم عن هذه الهمهمة سوى أنه شكا حاله إلى الإمام ، ولكن مما لا ريب فيه أنه كلما كانت الجمل والعبائر جميلة كانت أكمل أدباً لـ ( أن الله جميلاً يحب الجمال ) وكما أنهم سادات الكلام فإنهم يحبون أن يكون الطالبون لهم من أهل الأدب والكمال والجمال في كل شيء .
ج) اغتنام فرصة الوجود بقربهم :
أنظر إلى الأسد كيف خرج بمجرد أن مرّ عليه الإمام الكاظم طالباً منه قضاء حوائجه .. فيجب علينا عند زيارتهم أو مكوثنا بقربهم أو حضور مناسباتهم سواءً أفراحهم وأحزانهم أن نغتنم هذه الفرص في تقديم المعاريض الشفوية أو الخطية وطلب قضاء حوائجنا منهم .
د) أمام الزمان :
لقد توجه الأسد إلى أمام زمانه وطلب قضاء حوائجه .. فهذا يشير إلينا كما أننا نطلب الحاجات من الله بسؤالنا للإمام الكاظم قاضي الحاجات .. كذلك يلزم علينا التوجه وبعمق إلى أمام زماننا وولي نعمتنا الإمام الحجة بن الحسن ± والتوسل به بشتى الوسائل المدونة في كتب الأدعية بأدب وخشوع في قضاء حوائجنا .
- ثالثاً : الشكر والدعاء :
نتأمل هنا في وصف الحالة : يقول : ( وحول أبو الحسن وجهه إلى القبلة وجعل يدعوا ويحرك شفتيه بما لا أفهمه ثم أومأ إلى الأسد بيده أن أمض فهمهم الأسد همهمة طويلة وأبو الحسن يقول آمين .. آمين ) ففسر الإمام الكاظم هذه الهمهمة أنها ( فقال لي أن أمض في حفظ الله فلا سلط الله عليك ولا على ذريتك ولا على أحد من شيعتك شيئاً من السباع فقلت آمين ) .
إذاً عندما نطلب حوائجنا من ساداتنا ، فبعد أن يتم الطلب بالآداب المتقدمة يلزم علينا شكر الإمام على الاستماع إلينا وأن مضى في قضاء حوائجنا والدعاء له ولأهل البيت وكذلك الدعاء للشيعة الموالون لمحمد وآل محمد .
والعمل على نشر فضائلهم بكل ما أوتينا من قوة وعبر شتا الوسائل من كتابة وخطابة وتأليف وندوات ومحاضرات وإعلام وصحف وغيرها من الوسائل ، فإن ذلك من أهم الواجبات .
فالسلام عليك يا باب الحوائج يا موسى بن جعفر
نسأل الله تعالى بحقك وبالشأن الذي لك عنده أن يقضي حوائجنا للدنيا والآخـرة إنه سميع مجيب الدعاء .