الجزءُ الرَّابعُ مِنْ سِلْسِلَةِ التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ

حديث الجمعة 28 ربيع الآخر 1446هـ .

شبكة مزن الثقافية مسجد الزهراء عليها السلام بسيهات
الشيخ جواد آل جضر
الشيخ جواد آل جضر

 [التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ بَيْنَ العَامِ والخَاصِ] ( 2 )

قَالَ تَعَالَى : ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) آية 122 سورة التّوبة.

 مَوْعِدُنَا اليومَ مَعَكُم في جوابِ السّؤال الثّانِي مِنِ الأَسئلةِ الثّلاثةِ وهو : هل الدّراسةُ الدّينيةُ الحوزويةُ مُتَاحَةٌ فقط لِمَنْ يرغبونَ في الالتحاقِ بِطَبَقَةِ أو بِسِلكِ رِجَالِ الدِّينِ في المُجْتَمَعِ ؟

الجَوَابُ باختِصَارٍ هو : ( لا ) وبالتّفصيل فيما يلي:

الدّراسةُ بِكُلِّ مراحلها مُتَاحَةٌ حضوريًا وأيضًا عبر الدّروسِ المسجلةِ في المواقِعِ الالكترونية وأيضًا بالبث المباشر( Live on Line ) للجميعِ ولأيّ راغبٍ في الدّراسةِ ، وفي الزّمنِ السّابقِ كان لبعضِ المراجعِ وكلاءُ من طبقةِ التّجارِ عِندَهم بعض الدّراسةِ الدّينية ويأتمنونهم على الحقوقِ الشّرعية قبضًا وصرفًا.

 حاليًا وَفِي بلادِنا الطّيبةِ المباركةِ هناكَ نوعانِ من الدّارسين في الحوزات العلمية :

أ) النّوعُ الأوّل : هم المُتَفَرِّغُونَ تمامًا للدّراسة الدّينيةِ ولَيْسَ لديهم أيَّ عَمَلٍ أو وَظيفةٍ ولَيْسَ عندهم أيَّ مصدرِ دَخْلٍ يعينهم على معيشتِهم غَيرَ مَا تصرفه لهم الحوزاتُ العلميةُ وهو ما اصطلح على تسميته بالشّهرية، وَفِي الحقيقةِ وأمامَ تطوُّرِ الأوضاع الاقتصادية وتَنَوُّعِ المَطَالِبِ الحياتية المعيشية وخصوصًا للمتزوجين ومن عندهم أولاد فإنّه مبلغٌ قد لا يفي بِرُبع احتياجاتهم !!!

 هؤلاءِ انخرطوا في الدّراسة الحوزوية الدّينية بِتَفَرُّغٍ تامٍ على أملِ التّخرّجِ منها بصفةِ رجالِ دينٍ يخدمون المجتمعَ بواسطةِ المنبرِ والخطابةِ أو المسجدِ والمحرابِ أو الكتابةِ والتّأليف وللقيام بِكُلِّ المهماتِ الاجتماعيةِ و الثّقافيةِ والدِّينيةِ والإنسانيةِ المطلوبة من رجلِ الدّينِ اليومَ فِي المجتمع.

 وهؤلاء الذين طلبوا العلم والتَّفَقُّةَ في الدِّينِ مَعَ التَّفرّغِ التّام لو لَمْ يلتحقوا بركب الدِّراسةِ الدِّينية لكانوا كَغيرهم من طلاب الجامعاتِ وحَمَلَةِ الشّهادات الأكاديمية ثُمَّ أصبحوا من أهلِ الوظائف في القطاعين الحكومِي والخاص، ولكنهم ضحُّوا بأوقاتهم وبالمكاسب الدُّنْيَوِيةِ المادِّيةِ فِي سبيلِ خدمةِ المجتمع بالعلمِ والفقهِ وبالثّقافةِ الدِّينيةِ.

هذا النوع الأوّلُ : المُتَفَرِّغُونَ يستحقون من المجتمعِ الدَّعمَ المادي والمعنوي والحمدُ للهِ فإنَّ الأنظمةَ الحكوميةَ المُطَبَقَةَ في بلادِنا داعمةٌ للجميع، وقد أتاحَتْ قنوات عديدةٍ للدَّعمِ المادي لكلِّ من يستحقه من أفرادِ المجتمع.

ب) النّوعُ الثَّاني من الدّارسين : هم مجموعةٌ من العاملينَ في الوظائفِ أو الأعمالِ الحرّة وبعضهم من المتقاعدينَ وهم غيرُ متفرغين تمامًا والتحقوا بالدّراسة الدّينية في الحوزاتِ العلميةِ المحليةِ في القطيف والأحساء ولعلهم في الأحساء أسبقَ وأقدمَ من القطيف ويدرسون في الحوزات في الدّورات المسائية وبعضهم أيضًا التحقوا بالدّراسة الصباحية خصوصًا المتقاعدين ويمتازُ هؤلاءِ بحبّهم وشوقهم للدّراسةِ الدّينيةِ ولا يطمحُونَ لِلِبْسِ العمامة ولا لشغلِ موقع رجلِ الدّينِ في المجتمع.

 وبعضُ أفرادِ هذا النّوع الثّاني من الدّارسين وصلوا إلى مراحلَ دراسية متقدّمة في الحوزاتِ العلميةِ المباركةِ وبعضهم قَبِلَ أنْ يَلْبَسَ العمامةَ ويمارسَ أدوارَ رجلِ الدّينِ العلمية والمجتمعية في خدمةِ المجتمع ولهم منا أفضلَ تَحيةٍ و شكرٍ وثَنَاءٍ ونسألُ اللهَ لهم التّوفيق والسّدادَ .

 هؤلاءِ وللهِ الحمد عندهم مصادرُ دخلٍ من وظائفهِم أو رواتبهم التّقاعدية ولم يلتحقوا بالدّراسة الدّينية طمعًا فِي أيِّ كَسْبٍ ماديٍّ أو وجاهةٍ اجتماعةٍ بل حُبًّا فِي العلمِ وشوقًا إلى التّفقُّهِ فجزاهم اللهُ خيرَ الجزاءِ وبارك الله فيهم.

وهكذا نكونُ قد أجبنا على السّؤال الثّاني وعَرَفنَا أنَّ الدّراسةَ الدِّينيةِ مُتَاحَةٌ للجميع بلا استثناء خصوصًا مع تطوِّرِ الوسائل التّقنيةِ التي جعلتْ طَلَبَ العلمِ وطَلَبَ المعرفةِ سهلًا وميسورًا وممكنًا ومتاحًا لأيِّ طالبٍ وراغبٍ .

 السّؤالُ الثّالثُ هو : ما هو المستوى المطلوبُ من عامّةِ النّاسِ في التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ ؟

ونظرًا لضيقِ الوقتِ ولأهميةِ الجوابِ المُفَصَّلِ المدعومِ بالحقائقِ والشّواهدِ سَنَجْعَلُهُ حَدِيثنا ليومِ الجمعةِ القادم إنْ شاءَ اللهُ تعالى.

 رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ 


والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ وصلّى اللهُ على سيدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطّيّبينَ الطَّاهِرينَ