حديث الجمعة 9 ربيع الأوّل 1446هـ .
سورة التّوحيد .. دعاء وشفاء
كلنا نعيش في هذه الدنيا : بِحلوِهَا ومُرِّها. وصفائها وكدرِها. وسرورها وحُزنها. وسعادتها وشقائها.
والسعيد فيها من أخذ منها زاد الآخرة وكان مِمَّنْ دعا بقوله تعالى ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) آية201 سورة البقرة.
لا تخلو هذه الدُّنيا من المشاكل والمصائب والأمراض والعلل والأسقام، وقد أُمِرْنَا بالأخذ بقانون الأسباب والمُسبّبات وبه تقومُ أمورُ الدّنيا، ولكن هناك طُرق أخرى ذُكِرَتْ فيما رواه المعصومون وأوَّلُهم النّبي الأكرم وآخِرهم الحجّة ابن الحسن عجّل اللهُ تعالى فَرَجَهُ الشّريف.
هذه الطرق هي اللّجوءُ للقرآن والدُّعاء في حَلّ المشكلات وفي علاج الأمراض البدنية والنّفسية بل وفيهما كلَّ ما يرجوه الإنسان لخير دينه ودنياه وآخرته.
1-وردت عن المعصومين رواياتٌ كثيرة في فضل القرآن إجمالاً قراءَةً وتدبّرًا وسماعًا وكتابةً وهناك تفاصيل كثيرة في خصائص السّور واستخدامها لقضاء الحوائج وتيسير الأمور وشفاء المرض وقضاء الدَّين وما أشبه .
2-وأيضًا وردَ عنهم رواياتٌ كثيرة في الدّعاءِ ونقلوا لنا بما علَّمهم اللهُ تعالى مجموعةً كبيرةً من الأدعية التي تسبّبُ الاطمئنانَ الرّوحي وقضاءَ الحوائجَ وتيسيرَ الأمورِ والشّفاءَ من العللِ والأسقامِ.
3-ووردَ عنهم نصوصٌ كثيرة تَدْمِجُ بين القرآن والدُّعاءِ وبيّنوا الآثار النافعة لها ومنها ما ورد في سورة التّوحيد وعدد مرات القراءة وما معها من الدُّعَاء.
4-لسورة التّوحيد مكانةٌ خاصّةٌ وشأنٌ عظيمٌ وتسمّى بـ : (نسبة الله عزّ وجلّ ) فقد طلبَ مجموعةٌ من اليهود من رسولِ اللهِ أنْ ينسبَ لهم الرّبَّ فأجابهم بسورة التّوحيد بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ( قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ،ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ، لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ ،٣ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ ).
5-وبلغ من شأن سورة التّوحيد اختصاصها ببعض الأحكام الفقهية في قراءتها في الصّلاة الواجبة بعد سورة الفاتحة ومنها :
- استحباب قراءتها في كلّ ركعةٍ فيها قراءةٌ .
- وأنْ لا تخلو الصّلاة منها.
- ويمكن تكرارها في ركعتي القراءة بلا كراهة بعكس الحكم للسّور الأخرى.
6-ومن الرّوايات التي جمعت بين سورة التّوحيد والدّعاء وذُكِرتْ لذلك نتائج عظيمةٌ لخير الدّنيا والآخرة هي ما رواه : الطّوسي وابن بابويه وغيرهما بأسانيد معتبرةٍ عن أميرالمؤمنين عليه السّلام قال : " مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا وَ قَدْ خَلَّصَ مِنَ الذُّنُوبِ كَمَا يَخَلَّصُ الذَّهَبُ لَا كَدَرَ فِيهِ وَ لَيْسَ أَحَدٌ يَطَالِبُهُ بِمَظْلِمَةٍ، فَلْيَقْرَأ فِي دُبُرِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ نِسْبَةَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً، ثُمَّ يَبْسُطُ يَدَهُ وَ يَدْعو بهذَا الدُّعَاء، ثمّ قَالَ : هذَا مِنِ المُنْجيَات ( وفي روايةٍ من المُخْبِيَات المأخوذة من الفعل أخبى وأخبى النّار أي أطْفَأها ) مِمَّا عَلّمني رِسولُ اللهِ وأمرني أنْ أُعلّمهُ الحسنَ والحسينَ
7-لاحظوا هذه العظمة وهذه الجلالة لهذا الدّعاء الذي هو من رسولِ اللهِ وما عند رسولِ اللهِ فهو من اللهِ : ( إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) آية 4 وَ 5 سورة النجم.
ثمّ يُعلمه رسولُ اللهِ لأمير المؤمنين ويأمرُه أن يعلّم الحسنين فأيُّ دعاء هذا الذي إذا قُرِئ بعد أنْ تُقرأ التّوحيدُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً ضَمِنَ للعبدِ الخلاص من الذّنوبِ ، بنوعيها :
- ما كان منها في حقّ الله .
- وما كان منها في حقِّ النّاسِ .
وقد يسألُ سائلٌ : أمّا حقُّ الله فإنّ اللهَ غفورٌ رحيمٌ، ولكن كيف يمكن لهذه السّورة وهذا الدّعاء إذا اجتمعا أن يُخلِّصا العبدَ من حقوقِ النّاسِ !! ؟
والجواب : أنّ ذلكَ يُمكن تصوّره بنحوين :
- إمّا أنّ اللهَ يُوفِّقُ العبدَ لِرَدِّ مظالمِ العباد.
- أو أنّ الله يُعطِّف عليه قلوب العبادِ فيسقطون حقّهم ويتجاوزون عن مظلمته لهم.
وهذا الدّعاء الذي هو من المنجيات أو المخبيات هو : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ المَكْنُونِ المَخْزونِ الطّاهِرِ الطُّهْرِ المُبارَكِ وَأسأَلُكَ بِاسْمِكَ العَظيمُ وَسُلْطانِكَ القَديمُ ، يا واهِبَ العَطايا يا مُطْلِقَ الاُسارى يا فَكّاكَ الرِّقابِ مِنَ النّارِ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ وَفُكَّ رَقَبَتي مِنَ النّار وَأَخْرِجْني مِنَ الدُّنْيا آمِنا وَأدْخِلْني الجَنَّةَ سالِمًا ، وَاجْعَلْ دُعائي أوَّلَهُ فَلاحًا وَأوسَطَهُ نَجاحًا وَآخِرَهُ صَلاحًا إنَّكَ أنْتَ عَلاّمُ الغُيوبِ "
والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ وصلّى اللهُ على سيدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطّيّبينَ الطَّاهِرينَ