انتهاك حرمة الأجساد الطاهرة في كربلاء –ج2
تقدم الكلام في الجزء الأول عن تعريف المُثلة وحكمها التكليفي في الشريعة الإسلامية، وبيان مصاديقها، والمُثلة في القانون الوضعي (الإنساني)، والكلام عن البيت الأُموي واستعمالهم للمُثلة، وبقي الكلام في مصاديق وسياسة البيت الأموي في استعمال المثلة.
- المبحث الخامس: مصاديق المُثلة التي جرت على معسكر الحسين
إنَّ «التمثيل بالقتيل بعد الموت يدل على خسة نفس الفاعل وخبثها، فالرجل الشريف النبيل يكتفي عند الظفر بخصمه بقتله إن لم يكن للعفو موضع، وتأنف نفسه ويأبى له كرم طباعه التمثيل بخصمه ولو كان من أعدى أعدائه، بل لا يسلبه ثيابه ولا درعه، كما فعل أمير المؤمنين عليه السلام حين قتل عمرو بن عبد ودّ، واستدلت أُخته بذلك على أنّ قاتل أخيها رجل كريم، وقال له بعض الأصحاب: هلّا سلبته درعه؛ فإنّها داودية. فقال عليه السلام : كلّا، إنّ عَمْراً رجل جليل وافتخر بذلك فقال:[47]
وعففت عن أثوابه ولو أنني كنت المــقطّر بـزّني أثـوابي»(1).
ومن هنا؛ لا بدّ أن نرى ما فعله المعسكر المعادي للحسين وأصحابه، فهل ترفّع بعد القتل عن سلب الحسين والتمثيل به، أم كانت خسّة نفوسهم وخبثها داعية لهم للتمثيل بالحسين وأصحابه؟!
والجواب في ما يلي من مصاديق المُثلة القبيحة عقلاً وشرعاً:
أوّلاً: وطء جسد الحسين
حادثة وطء الجسد الشريف من الأُمور الثابتة في واقعة الطف، وقد تطابقت كلمات العامّة والخاصّة على نقلها، سواء في ذلك كتب السيرة والمقاتل والحديث والرجال، ويُعدُّ ذلك من مصاديق المُثلة المحرّمة، بل أشنعها بعد قطع الرؤوس.
وأقدم مصدر أرّخ لهذه الحادثة هو ما رواه أبو مخنف (لوط بن يحيى بن سعيد)[48]، وهو أخباري موثوق؛ إذ عبّر عنه النجاشي في ترجمته: «وكان يُسكن إلى ما يرويه»[49]؛ مما يعني أنّه يُعتمد عليه فيما دوّنه من أخبار التاريخ، وتحرّيه ضبط الوقائع التي ينقلها، واعتماده على الأُمور الثابتة والمشهورة بالتناقل[50].
- وإليك بعض تلك النقول المهمّة:
1ـ عن المفيد: «نادى عمر بن سعد في أصحابه: مَن ينتدب للحسين فيوطئه فرسه؟ فانتدب عشرة، منهم: إسحاق بن حياة، وأخنس بن مرثد، فداسوا الحسين عليه السلام بخيولهم، حتى رضوا ظهره»[51].
2 ـ عن الخوارزمي: «ثمّ إنّ عمر بن سعد نادى: مَن ينتدب للحسين عليه السلام فيوطئه فرسه؟ فانتدب له عشرة نفر، منهم: إسحاق الحضرمي، ومنهم: الأخنس بن مرثد الحضرمي، القائل في ذلك:
نحن رضضنا الظهر بعد الصدر بكلّ يعبوبٍ شديد الأسرِ
حتّى عصينـا الله ربَّ الأمـر بصنعنا مع الحسين الطهر
فداسوا حسيناً عليه السلام بخيولهم حتى رضّوا صدره وظهره، فسُئلَ عن ذلك فقال: هذا أمر الأمير عبيد الله»[52].
3 ـ عن ابن طاووس : «قال الراوي: ثمّ نادى عمر بن سعدٍ في أصحابه: مَن ينتدب للحسين عليه السلام فَيُوطِئ الخيل ظهرَه وصدره؟ فانتدب منهم عشرة، وهم: إسحاق بن حوبة الذي سلب الحسين عليه السلام قميصه، وأخنس بن مرثدٍ، وحكيم بن طفيل السنبسي، وعمر بن صبيح الصيداوي، ورجاء بن منقذ العبدي، وسالم بن خثيمة الجعفي، وواحظ بن ناعم، وصالح بن وهب الجعفي، وهاني بن ثبيت الحضرمي، وأُسيد بن مالك لعنهم الله، فداسوا الحسين عليه السلام بحوافر خيلهم، حتى رضّوا ظهره وصدره.
قال الراوي: وجاء هؤلاء العشرة حتى وقفوا على ابن زياد لعنه الله، فقال أُسيد بن مالك أحدُ العشرة:
نحن رضضنا الظهر بعد الصدر بكلِّ يعبوبٍ شديد الأسر
فقال ابن زياد لعنه الله: مَن أنتم؟ قالوا: نحن الذين وطأنا بخيولنا ظهر الحسين حتى طحَنّا حناجر صدره.قال: فأمر لهم بجائزةٍ يسيرة.
قال أبو عمر الزاهد: فنظرنا إلى هؤلاء العشرة، فوجدناهم جميعاً أولاد زنا.وهؤلاء أخذهم المختار، فشدّ أيديهم وأرجلهم بسكك الحديد، وأوطأ الخيل ظهورهم حتى هلكوا»[53].
4 ـ وعن سبط ابن الجوزي: «قال عمر بن سعدٍ: مَن يوطئُ الخيل صدره؟ فأوطأوا الخيل ظهره وصدره، ووجدوا في ظهره آثاراً سوداً، فسألوا عنها، فقيل: كان ينقل الطعام على ظهره في الليل إلى مساكن أهل المدينة»[54].
5 ـ عن أبي الفرج: «أمر ابن زيادٍ لعنه الله وغضب عليه أن يُوطأ صدر الحسين عليه السلام وظهره وجنبه ووجهه، فأُجريت الخيل عليه»[55].
ما يُستفاد من نصوص وطء جسد الحسين
أ ـ إنّ الذي أَمر الجند بوطء جسد الحسين هو عمر بن سعد، وتبيّن أنّه مأمور من قِبَلِ مَن هو أعلى منه سلطة.
ب ـ التأكيد على أنّ هؤلاء قاموا برضِّ ظهر وصدر الحسين، وتقديم الظهر فيه إشارة إلى أنّ الحسين عليه السلام كان مكبوباً على وجهه، وهو ما أشارت إليه بعض المقاتل. أمّا الصدر، فالظاهر أنَّ شدّة الوطء من قِبَل هؤلاء العشرة، جعلت الجسد الطاهر يتقلّب بحيث تمكّنوا من رضّ جهة الصدر بعد جهة الظهر. والقيام بفعل كهذا ينمُّ عن مقدار البغض الدفين لأهل البيت عليهم السلام .
جـ ـ إنّ ذكر تفاصيل الحادثة، ومَن أمر بها، ومَن قام بها، ووصف حال الوطء لجسد المولى يؤكّد وقوعها.
د ـ تأكيد بعض الروايات على أنّهم كانوا عشرة، كما ذكرت بعض المصادر أسماءهم، وأنّهم بعد الاطلاع على أحوالهم الشخصية كانوا كلّهم أولاد زنا.
هـ ـ سوء عاقبة أُولئك الأشقياء بإفلاسهم من الحصول على الجائزة التي كانوا يتوخونها من ابن زياد؛ إذ أمر لهم بجائزة يسيرة بالإضافة إلى نيلهم الجزاء الدنيوي على يد المختار.
و ـ دلّت بعض الروايات ـ أي: النصّ الأخير ـ على أنّ وطء الجسد الشريف كان قبل قطع رأسه الشريف.
ز ـ يظهر من هذه الحادثة البشعة أنّ جيش يزيد ـ الذي هو امتداد للجيش الذي كان يرعاه أبوه معاوية ـ كان فيه أُناس على درجة عالية من الإجرام والخبث، إلى درجة أنّهم أقدموا على مثل تلك الأفعال التي تُمثل أعلى درجات الإرهاب على مدى الزمان.
ح ـ اتفاق نقل الحادثة من العامّة والخاصّة.
ثانياً: التمثيل بقطع الرؤوس والطواف بها في الطرقات وصلبها وإرسالها إلى الشام
وفي ذلك طوائف من الروايات هي:
الطائفة الأُولى: الروايات الدالة على التصريح بقطع الرؤوس وإرسالها إلى ابن زياد
وهي كثيرة، منها:
أ ـ عن قرّة بن قيس التميمي: «وقطف رؤوس الباقين، فسرّح باثنين وسبعين رأساً مع شمر بن ذي الجوشن، و... حتّى قدِموا بها على عبيد الله بن زياد»[56].
ب ـ عن البلاذري: «واحتُزَّت رؤوس القتلى، فحُمل إلى ابن زياد اثنان وسبعون رأساً مع شمر بن ذي الجوشن، و...»[57].
جـ ـ عن ابن سعد: «ونزل معه ـ أي: مع سنان بن أنس ـ خوليّ بن يزيد الأصبحيُّ، فاحتزّ رأسه ـ أي: الحسين ـ ثمّ أُتي بهِ عبيد الله بن زيادٍ، فقال: أوقر ركابي فضة أو ذهباً...»[58].
د ـ عن ابن كثير: «ما قُتل قتيل إلّا احتزوا رأسه وحملوه إلى ابن زياد، ثمّ بعث بها ابن زياد إلى يزيد بن معاوية إلى الشام»[59].
هـ ـ ما دلّ على قطع رأس مسلم بن عقيل، وهو ما جاء في الإرشاد: «فقال ابن زياد: أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف؟ فدُعي بكر بن حمران الأحمري، فقال له: اصعد فلتكن أنت الذي تضرب عنقه، فصعد به وهو يُكبّر ويستغفر الله، ويصلّي على رسوله، ويقول: اللّهمّ، احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذبونا وخذلونا. وأشرفوا به على موضع الحذّائين اليوم، فضُربت عنقه، واُتبِع جسده رأسه»[60].
ورواه أيضاً في (الأمالي) للشجري[61]، وفي (الحدائق الوردية)[62].
و ـ ما عن أبي مخنف: «وما هو إلّا أن قُتل الحسين فسُرّح برأسه من يومه ذلك مع خوليّ بن يزيد، وحميد بن مسلم الأزدي إلى عبيد الله بن زياد، فأقبل به خولّي، فأراد القصر، فوجد باب القصر مغلقاً، فأتى منزله، فوضعه تحت إجانة في منزله»[63].
ز ـ عن المفيد: «سرّح عمر بن سعد من يومه ذلك وهو يوم عاشوراء برأس الحسين عليه السلام مع خولي بن يزيد الأصبحي، وحميد بن مسلم الأزدي إلى عبيد الله بن زياد، وأمر برؤوس الباقين من أصحابه وأهل بيته فقُطِّعت، وكانت اثنين وسبعين رأساً، وسرّح بها مع شمر بن ذي الجوشن، وقيس بن الأشعث، وعمرو بن الحجاج، فأقبلوا حتّى قدِموا بها على ابن زياد»[64].
وهذه الطائفة ـ بالإضافة إلى دلالتها على قطع الرؤوس ـ تدلّ أيضاً على حمل تلك الرؤوس الزكية إلى الطاغية ابن زياد.
الطائفة الثانية: الروايات الدالة على صَلْبِ الرأس الشريف وجثتي مسلم وهاني
وقد ورد في ذلك الموارد التالية:
أ ـ ما ذكره الذهبي، عن أبي حمزة الحضرمي: «وقد حدّثني بعض أهلنا أنّه رأى رأس الحسين مصلوباً بدمشق ثلاثة أيام»[65].
ب ـ عن الخوارزمي قال: «إنّ يزيد أمر أن يُصلب الرأس الشريف على باب داره»[66].
جـ ـ عن القلقشندي: «وعُلّقَ رأس الحسين عليه السلام في دمشق عند قتله، في المكان الذي عُلّق عليه رأس يحيى بن زكريا»[67].
د ـ عن سبط ابن الجوزي : «فآمنه ـ أي: مسلم بن عقيل ـ ابن الأشعث، وجاء به إلى ابن زياد، فأمر به، فأُصعد إلى أعلى القصر، فضُربت عنقه، وأُلقي رأسه إلى الناس، وصُلبت جثّته بالكناسة، ثمّ فُعل بهاني بن عروة كذلك»[68].
هـ ـ عن ابن أعثم: «ثمَّ أمر عبيد الله بن زياد بمسلم بن عقيل، وهاني بن عروة رحمها الله، فصُلبا جميعاً منكّسَين، وعزم أن يوجِّه برأسيهما إلى يزيد بن معاوية»[69].
و ـ عن سبط ابن الجوزي: «إنّ ابن زياد نصب الرؤوس كلها بالكوفة على الخشب، وكانت زيادة على سبعين رأساً، وهي أوّل رؤوس نُصبت في الإسلام بعد رأس مسلم ابن عقيل بالكوفة»[70].
الطائفة الثالثة: الدوران بالرؤوس في الأسواق والبلدان لأجل زرع الرعب في نفوس الناس
وقد دلّت عليها بعض الروايات، وهي:
أ ـ عن أبي مخنف: «إنّ عبيد الله بن زياد نصب رأس الحسين بالكوفة، فجُعل يُدار به في الكوفة»[71].
ب ـ عن المفيد: «لما أصبح عبيد الله بن زياد بعث برأس الحسين عليه السلام ، فدير به في سكك الكوفة كلها وقبائلها»[72].
جـ ـ ما عن (الملهوف)، عن علي بن الحسين عليه السلام أنّه قال: «إنّ الله تعالى وله الحمد ابتلانا بمصائب جليلة وثلمةٍ في الإسلام عظيمة، قُتل أبو عبد الله عليه السلام وعترته، وسُبي نساؤه وصبيته، وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان، وهذه الرزية التي لا مثلها رزية»[73].
د ـ ما عن (شرح الأخبار): «ثمّ أمر يزيد اللعين برأس الحسين عليه السلام ، فطيف به في مدائن الشام وغيرها»[74].
الطائفة الرابعة: الروايات الدالة على حمل الرؤوس إلى يزيد (الشام)
لم يكتفِ وَاَلْي الكوفة بالأمر ببعث الرؤوس إليه، بل أرسلها إلى طاغيته يزيد بن معاوية، وإليك بعض النصوص الموثقة لذلك:
أ ـ عن أبي مخنف: «ثمّ دَعَا ابن زياد زحر بن قيس، فسرّح معه برأس الحسين ورؤوس أصحابه إلى يزيد بن معاوية، وكان مع زحر أبو بردة بن عوف الأزديّ، وطارق بن أبي ظبيان الأزديُّ، فخرجوا حتّى قدموا بها الشام على يزيد بن معاوية»[75].
ب ـ عن سبط ابن الجوزي: «إنّ ابن زياد حطَّ الرّؤوس في يوم الثاني، وجهّزها والسبايا إلى الشام إلى يزيد بن معاوية»[76].
جـ ـ عن ابن أعثم: «ثمّ دعا ابن زياد زجر بن قيس الجعفي، فسلّم إليه رأس الحسين ابن علي ورؤوس إخوته، ورأس علي بن الحسين، ورؤوس أهل بيته وشيعته رضي الله عـنهم أجمعين، ودعا علي بن الحسين أيضاً، فحمله وحمل أخواته وعماته وجميع نسائهم إلى يزيد بن معاوية»[77].
د ـ عن المفيد: «لما فرغ القوم من التطواف به ـ أي: برأس الحسين عليه السلام بالكوفة ـ ردّوه إلى باب القصر، فدفعه ابن زياد إلى زحر بن قيس، ودفع إليه رؤوس أصحابه، وسرّحه إلى يزيد بن معاوية ـ عليهم لعائن الله ولعنة اللاعنين في السماوات والأرضين ـ وأنفذ معه أبا بُردة بن عوف الأزدي، وطارق بن أبي ظبيان في جماعة من أهل الكوفة، حتى وردوا بها يزيد بدمشق»[78].
الطائفة الخامسة: الروايات الدالة على قرع رأس الحسين بالقضيب وشرب الخمر عليه
والروايات الدالة على هذا الفعل المشين والمنحط كثيرة جداً، ابتداءً من مجلس ابن زياد، وانتهاءً بمجلس يزيد بن معاوية، وهي:
أ ـ عن أنس بن مالك: «لمّا جيء برأس الحسين إلى ابن زياد، وُضع بين يديه في طشتٍ، فجعل ينكت وجنته بقضيب، ويقول: ما رأيت مِثلَ حُسنِ هذا الوجه قطّ. فقلت: إنّه كان يُشبه النبي صلى الله عليه وسلم»[79].
ب ـ ما رواه ابن سعد: «لمّا وُضعت الرؤوس بين يدي عبيد الله بن زياد، جعل يضرب بقضيب معه على فِيِّ الحسين وهو يقول:
يُفلِّقنَ هاماً من أُناس أعزةٍ علينا وهم كانوا أعقّ وأظلَما
فقال له زيد بن أرقم: لو نحَّيت هذا القضيب؛ فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضع فاه على موضع هذا القضيب»[80].
جـ ـ عن حاجب عبيد الله بن زياد: «إنّه لما جيءَ برأس الحسين عليه السلام أمر [أي: ابن زياد] فوُضع بين يديه في طست من ذهب، وجعل يضرب بقضيب في يده على ثناياه، ويقول: لقد أسرع الشيب إليك يا أبا عبد الله. فقال رجُلٌ من القوم: مَه! فإنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلثم حيث تضع قضيبك. فقال: يومٌ بيوم بدر»[81].
د ـ ما ورد في (الملهوف)، عن زين العابدين عليه السلام أنّه قال: «لمّا أتوا برأس الحسين عليه السلام إلى يزيد ـ لعنه الله ـ كان يتخذُ مجالس الشرب، ويأتي برأس الحسين عليه السلام ويضعه بين يديه ويشرب عليه»[82].
هـ ـ عن ابن سعد: «لمّا أُتي يزيد بن معاوية برأس الحسين بن علي جعل ينكت بمخصرةٍ معه سِنَّهُ، ويقول: ما كنت أظنّ أبا عبد الله يبلغ هذا السن. قال: وإذا لحيته ورأسه قد نصل من الخضاب الأسود»[83].
و ـ ما جاء في (عيون أخبار الرضا عليه السلام )، عن عبد السلام بن صالح الهروي: «سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول: أوّل مَن اتّخذ له الفقاع في الإسلام بالشام يزيد بن معاوية ـ لعنه الله ـ فأُحضر وهو على المائدة، وقد نصبها على رأس الحسين عليه السلام ، فجعل يشربه ويسقي أصحابه، ويقول ـ لعنه الله ـ: اشربوا، فهذا شراب مبارك، ولو لم يكن من بركته، إلّا أنّا أوّل ما تناولناه ورأس عدونا بين أيدينا ومائدتنا منصوبة عليه، ونحن نأكله ونفوسنا ساكنة، وقلوبنا مطمئنة.
فمن كان من شيعتنا فليتورع عن شرب الفقاع؛ فإنّه من شراب أعدائنا، فإن لم يفعل فليس منّا، ولقد حدّثني أبي، عن أبيه، عن أبائه، عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تلبسوا لباس أعدائي، ولا تسلكوا مسالك أعدائي، فتكونوا أعدائي، كما هم أعدائي»[84].
ز ـ عن ابن نما الحلي: «كان يزيد يتخذ مجالس الشراب واللهو والقيان والطرب، ويُحضر رأس الحسين عليه السلام بين يديه»[85].
ثالثاً: سلب الأجساد الطاهرة وتركها عارية بدون دفن
إنّ الأخذ بالمعنى اللغوي والعرفي، بل والاصطلاحي، على بعض التفاسير في تعريف المُثلة يجعلنا نعدُّ سلب الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه ـ وكذلك تركهم عراة وبدون دفن ـ من المُثلة المحرمة.
أمّا ما يخص الدفن للجثث الطواهر، فإنّ المصادر القديمة ذكرت بأنّ دفن الشهداء كان بعد يوم من شهادتهم أو أكثر من ذلك.
فإن كان اليوم الحادي عشر كما ذكر المحدِّث القمّي، فمن المستبعد أن تكون هذه الرواية صحيحة؛ لأنّ عمر بن سعد بقي في كربلاء تمام اليوم الحادي عشر أو لا أقل إلى الظهر من ذلك اليوم؛ لأجل دفن القتلى من عسكره، بل بعض الروايات صرّحت بأنّه بقي يومين بعد مقتل الحسين عليه السلام .
كما أنّ أهل الغاضرية من بني أسد، القاطنين كما يُفترض على بُعدٍ من ساحة القتال، يبعد أيضاً أن يجرؤوا أو يتمكّنوا من المجيء خلال هذه الفترة القصيرة، إلّا إذا قلنا: إنّ المراد من اليوم التالي للشهادة هو اليوم الثاني عشر، بل بعض الروايات صرّحت بأنّ رحيله أعني: ابن سعد كان بعد يومين من شهادة الحسين وأصحابه، والمراد باليومين: الحادي عشر والثاني عشر؛ فيكون الدفن في اليوم الثالث عشر.
وإليك بعض تلك الروايات الدّالة على ذلك:
أ ـ عن المفيد: «أقام [أي: عمر بن سعد] بقية يومه واليوم الثاني إلى زوال الشمس، ثمّ نادى في النّاس بالرحيل، وتوجّه إلى الكوفة ومعه بنات الحسين عليه السلام وأخواته...»[86].
ب ـ عن الدينوري: «وأقام عمر بن سعد بكربلاء بعد مقتل الحسين يومين. ثمّ أذّن في الناس بالرحيل... وأمر عمر بن سعد بحمل نساء الحسين وأخواته وبناته وجواريه وحشمه في المحامل المستورة على الإبل»[87].
جـ ـ ابن طاووس: «وأقام [ابن سعد] بقية يومه واليوم الثاني إلى زوال الشمس، ثمّ رحل بمن تخلّف من عيال الحسين عليه السلام وحمل نساءه صلوات الله عليه على أحلاس أقتاب الجمال بغير وطاءٍ»[88].
وعلى كل حال، سواء تُركت الأجساد يوماً أو يومين أو ثلاثة فهذا كله يُعدّ إهانة لها ونوع مُثلة.
وأمّا السلب، فأكثر الروايات تؤكّد على سلب جسد الحسين ، وهذا لا يعني أنّ غيره لم يُسلب، كما أنّها تبيّن أسماء مَن سَلَب الجسد الطاهر، وتذكر نوع الشيء المسلوب منه، بل تذكر عاقبة كل مَن انتهب شيئاً من الجسد الطاهر ومن غيره. وهذه بعضها:
أ ـ عن ابن سعد: «لما قُتل الحسين انتُهب ثقله، فأخذ سيفه الفلافس النهشلي، وأخذ سيفاً آخر جميع بن الخلق الأوديُّ، وأخذ سراويله بحر الملعون بن كعب التميمي، فتركه مجرداً، وأخذ قطيفته قيس بن الأشعث بن قيس الكنديّ، فكان يُقال له: قيس قطيفة. وأخذ نعليه الأسود بن خالد الأودي، وأخذ عمامته جابر بن يزيد، وأخذ برنسه وكان من خَزّ مالك بنُ بشير الكندي»[89].
ب ـ عن المفيد: «ثمّ أقبلوا على سلب الحسين عليه السلام فأخذ قميصه إسحاق بن حياة الحضرميّ، وأخذ سراويله أبجر بن كعب، وأخذ عمامته أخنس بن مرثد، وأخذ سيفه رجل من بني دارم، وانتهبوا رحله وإبله وأثقاله، وسلبوا نساءه»[90].
جـ ـ عن الخوارزمي: «وقال عبيد الله بن عمّار: رأيت على الحسين سراويل تلمع ساعة قُتل، فجاء أبجر بن كعب، فسلبه وتركه مجرداً...»[91].
والنصوص في ذلك كثيرة جداً اكتفينا باليسير منها.
رابعاً: جرّ الأجساد المطهَّرة في الشوارع والأسواق
إنّ جرّ أجساد الشهداء في الطرقات جريمة أُخرى من جرائم الأُمويين، فبعد قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة جُرّت تلك الأجساد في السوق، وإليك نصّين في ذلك:
أ ـ الطبري عن أبي مخنف: «إنّه لما نزل الحسين في الطريق عند منزل يقال له: الثعلبية. قال الأسديّان اللّذان كانا يسايرانه في الطريق: أخبرنا الراكب الذي استقبلك أمس أنّه لم يخرج من الكوفة حتى قُتل مسلم وهاني، وحتى رآهما يُجرّان في السوق بأرجلهما. فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! رحمة الله عليهما. يردّد ذلك مراراً»[92].
ب ـ عن المفيد في (الإرشاد)[93] وبألفاظ قريبة مما تقدم مع تفصيل كامل عن خبر الأسديين.
خامساً: قطع إصبع الحسين
لقد وصلت الخسة بالبعض من جيش بني أُمية إلى قطع إصبع الحسين عليه السلام لأخذ الخاتم الذي فيه، وقد نقل لنا ذلك:
أ ـ ابن طاووس، قال: «وأخذ خاتمه بجدل بن سليم لعنه الله، فقطع إصبعه عليه السلام مع الخاتم»[94].
ب ـ وجاء عن ابن أعثم: «ثم أُتي برجل يُقال له: بحر سليم الكلبي. حتى أُدخل على المختار، فقالوا: أُيها الأمير، هذا الذي أخذ خاتم الحسين! فقطع إصبعه مع الخاتم! فقال: اقطعوا يديه ورجليه ودعوه يشحط في دمه»[95].
- المبحث السادس: سياسة انتهاك الأجساد وقطع الرؤوس
إنّ ما جرى على الجثث الطاهرة من تمثيل وانتهاك لم يكن أمراً عفويّاً أو ارتجاليّاً جرى على أيدي بعض جنود المعسكر الأُموي أو على أيدي بعض قادة الجند، وإنّما هو سياسة منظّمة وذات أبعاد عديدة، وقد جرى كل ذلك ضمن أوامر صارمة صدرت من القائد العام، وتَمّ تنفيذها من قِبَل الضباط والجنود بشكل منظّم وعلى فترات زمنية، ابتداءً من قطع رأس الحسين عليه السلام وانتهاءً بنصب الرؤوس في الشام.
فما هي تلك السياسة وما أسبابها؟
إنّ الأسباب التي يمكن أن تُتصور في ذلك ليس بالضرورة أن تجتمع في جهة معيّنة، بل بعضها يختص برأس الهرم ـ وأعني به: يزيد ـ والبعض الآخر يختصّ بالمعسكر الأُموي، وهكذا، ولكنَّ النتيجة على كل التقادير واحدة؛ لأنّ القيم التي تحكم الرعية هي قيم الحاكم وما جرى منه في تثقيف الأُمة، وخصوصاً أتباعه من الجند الذين حاربوا الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه.
- وأهم تلك الأسباب ما يلي:
أوّلاً: نقاتلك بغضاً لأبيك
إنّ ما جرى على الحسين عليه السلام من قتل وتمثيل بجسده الشريف هو وأصحابه، وسبي نسائه، وقطع الرؤوس وحملها والطواف بها بين البلدان ما هو إلّا حقد منهم على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ؛ لما فعله بآبائهم وأجدادهم في بدر وحنين وصفّين والنهروان، فالسبب هو الكره والحقد الدفينين في قلوب بني أُمية وأتباعهم على آل البيت عليهم السلام .
ويؤيد ذلك أمران:
1ـ ما ورد في بعض كتب التاريخ من أنّ الحسين عليه السلام توجَّه نحو القوم، وقال: «يا ويلكم! على مَ تقاتلونني؟! على حقٍّ تركته، أم على سُنّة غيرتها، أم على شريعة بدّلتها؟! فقالوا: بل نقاتلك بغضاً منّا لأبيك! وما فعل بأشياخنا يوم بدرٍ وحنين، فلمّا سمع كلامهم بكى»[96].
2ـ ما رواه الصدوق وغيره: «أنّه لما جيء برأس الحسين عليه السلام أمر [أي: عبيد الله بن زياد] فوُضع بين يديه في طست من ذهب، وجعل يضرب بقضيب في يده على ثناياه ويقول: لقد أسرع الشيب إليك يا أبا عبد الله. فقال رجل من القوم: مَهْ؛ فإنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلثم حيث تضع قضيبك. فقال: يوم بيوم بدر»[97].
ولا استغراب في قولته هذه، فقد قالها عامل يزيد على المدينة وكذا جدّه أبو سفيان، والأوّل منهما خاطب بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم متوجهاً إلى قبره الشريف[98]، والثاني (أبو سفيان) قالها للمسلمين حينما انتصر جيش الكفر بقيادته في معركة أُحد[99]، وشابههم يزيد في قولتهم تلك عندما قتل الحسين وأصحابه.
ثانياً: إنّ انتهاك الأجساد (بقطع الرؤوس) عمل سياسي ذو صفة انتقامية
رجّح بعض المحققين أن يكون قطع الرؤوس إجراءً انتقامياً له غاية سياسية، وليس غايته الانتقام فقط؛ إذ إنّ رجال النظام الأُموي وعلى رأسهم يزيد بن معاوية كانوا يرون أنّ ثورة الحسين عليه السلام يمكن أن تقوّض النظام كلّه، وكانوا يرون انتشار (الحالة الثورية) في المجتمع العراقي بصورة كبيرة، وإن كانت بحاجة إلى شرارة لبدء التحرك؛ ولذا فإنّ أيّ تحرّك تقوم به قوة ذات نفوذ إسلامي يمكن أن تجمع تلك الطاقات الثورية، وكان لثورة الحسين ولقائدها مركز معنوي كبير جداً في المجتمع الإسلامي تشكِّل بالنسبة إلى النظام الأُموي خطراً بما يمكن أن تؤدي إليه من تفاعلات ينشأ منها تصعيد الروح الثورية وإعطاء الثائرين في المجتمع الإسلامي أملاً كبيراً في الانتصار.
كما أنّ رجال النظام الأُموي قد علموا أنّ الجماعة الثائرة مع الحسين عليه السلام تمثّل في غالبيتها رجالاً قياديين تبوّؤا مراكز زعامة في المجموعات القبلية الجنوبية والشمالية، وأنّ لهؤلاء أتباعاً يتأثرون بمواقفهم؛ لهذا أراد رجال النظام أن يقضوا على كل أمل عند الجماهير بنجاح أيّ محاولة ثورية؛ وذلك بجعل أبطال هذه المحاولة عبرة للآخرين.
ولذا؛ حشّدوا من الجند ما يقارب ثلاثين ألفاً، لأجل القضاء على تلك النهضة وإبادة كل مَن اشترك فيها، ثمّ فعلوا فيهم فعلتهم من التمثيل والسبي وغيرهما.
وهدفهم من ذلك كلّه تبديد الهالة القدسية التي تحيط بالحسين عليه السلام وأهل البيت، وإفهام الثائرين الذين لم يُتح لهم أن يشاركوا في ثورة كربلاء أنّ إجراءات السلطة في حماية نفسها لا تتوقف عند حدٍّ، ولا تحترم أيّة قداسة وأيّ مقدس وأيّ عرف ديني واجتماعي[100].
والدال على ذلك من شواهد النهضة الحسينية ما يلي:
1ـ لا يمكن أن يقال: بأنّ عمر بن سعد قد أقدم على اتّخاذ قرار قطع رؤوس الشهداء من عند نفسه؛ رجاءَ أن تزيد حظوته عند عبيد الله بن زياد، بعد أن فهم بوضوح الرغبة الشرّيرة لدى عبيد الله بن زياد بالمضي في الانتقام إلى آخر ما يمكن تصوره من إجراءات، خصوصاً إذا عرفنا أنّ شخصية عمر بن سعد ذليلة مهتزّة، أُشبعت بحب المنصب بأيّ ثمنٍ كان، فلا بدّ أنّه تلقّى أمراً من جهة عُليا، وهو الكتاب الذي وجَّهه عبيد الله بن زياد إليه مع شمر بن ذي الجوشن، والذي جاء فيه: «فازحف إليهم [أي: للحسين عليه السلام وأصحابه] حتى تقتلهم، وتمثّل بهم؛ فإنّهم لذلك مستحقون، فإن قُتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره؛ فإنه عاقٌّ مشاق، قاطع ظلوم، وليس دهري في هذا أن يضر بعد الموت شيئاً، ولكن عليَّ قول: لو قد قتلته فعلت
به هذا...»[101].
وهذا الإجراء إنما أَمر به ابن زياد تنفيذاً لأوامر صدرت من مراتب عُليا، أي: من قِبل يزيد، لم تصل إلينا صورته، خصوصاً إذا علمنا بأنّ الكلمات التي جرت على لسان عبيد الله هي مشابهة لكلمات يزيد في بعض ما صدر منه تجاه الحسين عليه السلام .
2ـ إنّ قطع رؤوس القتلى من المسلمين كان في ذلك الحين أُسلوباً جديداً تماماً لم يُعهد في الثقافة الإسلامية، ولم يُمارس قبل واقعة كربلاء إلّا من قِبل والي معاوية بن أبي سفيان على الموصل حين قطع رأس عمر بن الحمق الخزاعي كما تقدم، ولم يُشتهر أمره، ومما يُشعر بحداثة هذا العنصر في الثقافة الإسلامية ما نقله الطبري عن زِرّ بن حُبيش قال: «أوّل رأس رُفع على خشبة رأس الحسين (رضي الله عنه وصلى الله على روحه)»[102]. وهذا يكشف عن سياسة أُموية مدروسة لإخماد أنفاس المعارضين.
3 ـ إنّ حمل الرؤوس من بلد إلى بلد والطواف بها في المدن وخاصة الكوفة جزء من هذه الخطة العامة، ولتبديد إمكانات الثورة وتحطيم المناعة النفسية لدى المعارضة، وإفهامها بأنّ الثورة قد تمَّ القضاء عليها، ولقطع الطريق على الشائعات بالأدلّة الماديّة الملموسة، وهي رؤوس الثائرين وفي مقدمتها رأس الحسين عليه السلام .
إنّ الذي يشلُّ القدرة الثورية ويسبب الهزيمة النفسية لدى الجماهير هو أن ترى زعماءها وقادتها قد قُتلوا، وتمَّ رفع الدليل المادي على قتلهم، وهو رؤوسهم على أطراف الرماح.
ثالثاً: تقليد بني أُمية للروم في هذا الفعل الشنيع
لعلّ بني أُمية اقتبسوا قطع الرؤوس من الأُمم الأجنبية، وخاصّة الروم؛ إذ تم تقليدهم في كثير من الأُمور حتى قلّدوهم في طريقة حياتهم.
رابعاً: تـوارث هذا الفعل من الجاهلية الأُولى
أو ربّما توارث الأُمويون هذا الأُسلوب قطع الرؤوس من أسلافهم في الجاهلية ومطلع الإسلام، والذي يؤكد ذلك ما تقدم في المبحث الرابع (البيت الأُموي والمُثلة).
خامساً: القيام بهذا الفعل تشفّياً
إنّ قطع الرؤوس قد يكون لأجل التشفّي من المقتول، وقد كان لبني أُمية الباع الطويل في ذلك؛ إذ مرَّ علينا آنفاً كيف أنّ هندَ بني أُمية تشفّت من حمزة(رضوان الله عليه).
سادساً: الخوف من إقامة المراقد على تلك الأجساد الطاهرة
إنّ قطع الرؤوس والأعضاء والتمثيل بالجثث وتوزيعها أشلاء إنّما هو للمنع عن دفنها في مكان واحد؛ خوفاً من تحوّل تلك البقعة التي دُفن فيها الشهيد الثائر إلى بؤرة ثورة تؤلّب النّاس على القاتل، ومن هنا أوصى الإمام علي عليه السلام إلى الحسن عليه السلام بأن يُعفي قبره بعد دفنه؛ خوفاً من نبشه وتقطيع أوصاله، وهو ما فعلوه مع زيد الشهيد الثائر، حيث حفروا قبره وقد دُفن أسفل النهر ونبشوه وصلبوه أياماً، ثم أحرقوه هو وجذعه المنصوب عليه[103].
فالقبر الذي يضمّ جسد الشهيد يصبح مشعلاً وهّاجاً لبعث الأمل في قلوب النّاس، للأخذ بالثأر، وإقامة الثورة ضد الظلم والظالمين؛ لذا لم يدّخر المتوكّل العباسي وسعاً في القضاء على قبر الحسين عليه السلام [104].
سابعاً: دناءة النفوس والخسة التي يحملها الأُمويين وأتباعهم
إنّ سبب انتهاك الأجساد من قِبل الأُمويين دليل على دناءة النفوس وخسّتها، والانحطاط الأخلاقي والاجتماعي الذي كان يعيشونه، وإلّا فإن الشريف عندما يتمكن من خصمه يكتفي بقتله خصوصاً إذا كان محقاً، وقد تقدّم موقف عليّ بن أبي طالب عليه السلام من عمرو بن عبد ودّ؛ إذ اكتفى بقتله.
قال الشيخ محمد حسن المظفّر بعد أن استعرض بعض فجائع بني أُمية ـ: «وبتلك الحوادث بانَ للعالم ما كان عليه أهل البيت من الدين والجهاد في إحياء الشريعة، وما كان عليه أعداؤهم من الدنيا والحرب للدين، واتّضحت نوايا الفريقين، وبانت أقصى غاياتهم من أعمالهم هاتيك، وإلّا فأيّ ذنب للطفل الرضيع وقد جفَّ لبنه وذبلت شفتاه عطشاً أن يُقتل على صدر أبيه، حتى يتركه السهم يرفرف كالطير المذبوح»[105].
ثامناً: القيام بقطع الرؤوس لأثبات النصر والغلبة
لعل أحد أسباب الإقدام على هذه الأفاعيل البشعة هو لأجل إثبات انتصار المعسكر الأُموي الموهوم على معسكر الحسين عليه السلام ؛ فاعتقدوا أن القيام بقطع الرؤوس ورفعها على عالي السنان علامة لهذا النصر[106].
تاسعاً: الاعتقاد بأن قطع الرؤوس يعيد هيبة السلطان الذي أُريد تغييره
أراد يزيد استعادة هيبة حكمه فأمر بحمل رأس الحسين عليه السلام والتطواف به في دمشق، وأمامه قارئ يقرأ سورة الكهف حتى بلغ قوله: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا )[107]، وكان المنهال الطائي الكوفي حاضراً قال: فأنطق الله الرأس فقال بلسان ذلق ذرب: أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي[108].