مشكاة يختتم ورشه المهدوية بـ مسؤوليتنا في التمهيد
اختتم مركز (مشكاة للتنمية البشرية) برنامج “إضاءات في الثقافة المهدوية” الذي تضمّن ثلاث ورش عمل منفصلة قدّمها للجنسين الباحث الإسلامي السيد مجتبى السادة بمسجد الإمام الهادي بصفوى.
وفي ورشته الثالثة مساء الجمعة الماضي والتي جاءت تحت عنوان: "مسؤوليتنا في التمهيد"، تطرّق الباحث السادة لمعالم الحضارة المهدوية التي تتجلّى في دولة العدل الإلهي التي تستمر (٣٠٩) أعوام في دولة المهدي -كعدة أعوام لبوث أهل الكهف-، ومن بعدها إلى ما شاء الله في دولة الرجعة.
وتساءل عن سرّ تعبير الروايات بالقول بـ: “يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً”، فلماذا ركزت على “قسطاً وعدلاً” ولم تقل: “إيماناً وتوحيداً” مثلاً؟!
وكذلك لماذا عبّر القرآن بأن الأرض “يرثها عبادي الصالحون”، ولم يقل “المؤمنون”؟!
وبيّن أن التركيز في دولة العدل الإلهي سيكون على نظام القضاء بشكل كبير لتحقيق العدالة، وكذلك سيتم التركيز على التقدم العلمي حيث تذكر الروايات أن العلم يتألف من (٢٧) حرفاً، وأن البشرية لا تملك إلا حرفين منها قبل الظهور، بينما يقوم المهدي (عج) بإظهار (٢٥) حرفاً إضافياً، فيتضاعف العلم بمعدلات كبيرة جداً.
ومما ذكرته الروايات من أمثلة ذلك التطور: الانفتاح على العوالم الأخرى.
ومن أبرز معالم تلك الحضارة أيضاً: انقلاب الموازين، فيتحول الإنسان من اللهث خلف المادة من مال وتعليم وصحة -كما هو الحال في هذه الأزمنة- إلى السعي إلى الرقي المعنوي وتحقيق الكمالات، حيث تكون الحاجات الضرورية كلها متوفرة في ذلك الزمان، فتنعدم الحاجة لجمع وتكثير المال، حتى لا يجد الإمام (عج) فقيراً يأخذ عطاءه من بيت المال!
ونصح السادة في هذا المجال بقراءة كتاب (دولة الإمام المهدي -عج-)، لمؤلفه السيد مرتضى المجتهدي السيستاني.
وتواصلت الورشة بمناقشة سؤال كبير حول كيفية خطط واستعداد الأعداء وأجهزتهم العالمية لمواجهة الإمام (عج) في الوقت الحالي.
وبينّ أن المقصود من “الأعداء” هم: كل من تتعارض مصالحهم مع ظهور الإمام (عج) وبسطه للعدل الإلهي، من أفراد ومؤسسات ودول لا يتمنون خروجه ويخشون من ذلك ويعملون ضده، تماماً كما كان فرعون ينتظر ولادة موسى ليقتله، وكذلك حال اليهود وعيسى ثم حالهم مع نبينا محمد ، فكذلك الأعداء الآن يدرسون ويترقبون اليوم الموعود مثلنا تماماً، ولكن ليقضوا على حركته في بداية ظهورها ويفشلوها، وإن معاداة ومحاربة أمر الإمام (عج) وصلت حالياً إلى قرب الذروة وبأساليب خبيثة.
فإذا فهمنا ما يحيكه الأعداء وكشفنا خططهم، قد نستطيع حينئذ إفشال حربهم، ولكن إذا لم نعي أساليبهم، فلن نتمكن من عمل أي شيء.
ومن أبرز خطوط استراتيجية الأعداء في هذه الحرب النفسية والإعلامية:
1. نسف العقيدة المهدوية من الأساس والتشكيك في مصداقيتها، وذلك لقتل روحية الأمل والتفاؤل، وتهيئة الأرضية المناسبة لمدعي المهدوية كذباً.
2. خلق حالة من الكره النفسي والعقلي للعقيدة المهدوية وذلك بدعم كل من يدّعي المهدوية، وتشجيع ومساندة المدعين المزيفين -أشخاصاً وحركات-، حتى لا يستجيب الناس له (عج) عند ظهوره ليأسهم من كثرة المدعين الكاذبين الذين انخدعوا بهم ثم انكشف أمرهم، وهكذا تموت المهدوية في النفوس وتنطفئ معها فاعلية ثقافتها.
3. استغلال بعض جوانب الثقافة المهدوية لضرب المرجعية الدينية الشيعية: فالمراجع في عصر الغيبة الكبرى هم النواب العامّون للإمام (عج) والغصن العنيد الذي يفشل خطط أجهزة الاستخبارات المعادية، فكان لا بد للعدو من ضربهم لتضعيف الشيعة، فلجؤوا لضربهم عبر استغلال الثقافة المهدوية!
ومن ذلك: دعوى أن فتوى المراجع ظنيّة بينما هناك أشخاص يلتقون بالإمام (عج) ويأخذون الأحكام الواقعية منه مباشرة -كما يدّعون-، فظهر عدد من الأشخاص في عدد من البلدان يدّعون ذلك، ومنهم: حركة أحمد الحسن الملقب باليماني والتي تدعوا ليس فقط للابتعاد عن المراجع، بل تحرض على قتلهم!
ومن المدعين أيضاً: ضياء الكرعاوي الذي أسس حركة (جند السماء) وادّعى أنه ابن للإمام علي ابن أبي طالب بالبنوّة المباشرة! وخططت حركته التي جنّدت آلاف المقاتلين للهجوم على مدينة النجف الأشرف وقتل جميع مراجعها يوم عاشوراء، ولكن باغتتهم القوات العراقية وقتلت منهم (٥٠٠) مقاتل بداية عام ٢٠٠٧م.
4. ضرب القاعدة الشعبية للإمام (عج) وإضعافها مقدماً: فمناطق الموالين والمؤمنين بالإمام قبل ظهوره يجب أن تكون مناطق مدمرة مستضعفة وتحت السيطرة، وفق هذه الاستراتيجية.
وهنا تكمن مهمتنا الرئيسة بأن نقوم بدورنا الشرعي والمسؤولية الملقاة على عاتقنا بالدفاع عن العقيدة المهدوية الأصيلة ونشرها، وبتعريف البشرية جمعاء بمختلف حضاراتها بالإمام (عج) ومنهجه وأهدافه، ومخاطبتها بما تستوعبه عقليّتها عبر الأفلام الوثائقية والكتب الفكرية والروايات الأدبية وغير ذلك.
وكان السيد مجتبى قد افتتح ورشته الأخيرة، باستدراك بعض النقاط التي لم يتسع المجال لبحثها خلال الورشة السابقة حول: “كيف نقرأ علامات الظهور؟”، نبّه خلالها لبعض المزالق وحذّر من بعض الأفكار والتوجهات الدخيلة على الثقافة المهدوية.
وفي هذا السياق، حذّر السادة من الانجرار خلف مدّعي شخصية اليماني، مؤكّداً أن الروايات المتكررة ذكرت وبشكل صريح أن اليماني يخرج من أرض اليَمَن، فكل من يدعي غير ذلك ويأول معنى صفة “اليماني” بغير ذلك، فهو مخالف للروايات الصريحة، وكذلك التنبه أن خروج اليماني والسفياني والخراساني يكون في يوم واحد، ولا يخرج أحدهم قبل الآخر.
كما نبّه لعدم صحة ما يتداوله بعض “المتنبئين” بداية كل عام من أحداث متوقعة خلال العام الجديد مدّعين أن ذلك ورد في (كتاب الجفر)، حيث أن الوارد في الروايات هو أربعة جفار، وهي كالاتي:
١) كتاب الجفر: وهو خاص بالمعصومين ، ولا يطّلع عليه أو يفهمه إلا المعصوم ، ونسخته الوحيدة موجودة حالياً عند الإمام المهدي (عج)، وجميع الكتب المنشورة الأخرى تحت عنوان الجفر لا تعني شيئاً!
٢) الجفر الأبيض: والجفر في اللغة هو: الوعاء والمخزن، فالجفر الأبيض هو جلد شاة محفوظة فيه كل الكتب السماوية الـ (١٠٤) الأصليّة التي أنزلها الله -تعالى-، بالإضافة إلى مصحف فاطمة ، وجامعة الإمام علي ، وكتب أخرى.
٣)الجفر الأحمر: وهو وعاء يحتوى على سلاح رسول الله وبعض أدوات المعجزة كخاتم سليمان، وقميص يوسف، وعصا موسى -عليهم السلام- وغيرها، ويسمى الأحمر لأن هذه الأدوات تستخدم للحرب والمواجهات غالباً.
٤) الجفر الكبير: وهو وعاء كبير شبّهته الروايات بجلد ثور يشمل كلّا من: الجفر الأبيض، والأحمر.
وكل ذلك عند الإمام (عج) فقط وفقط، ومن خصائص الإمامة. أما المتداول في أيدي الناس الآن عن الجفر لا حقيقة ولا مصداقية له!
وللاستزادة في هذا المجال، نصح السادة بالرجوع لكتاب (حقيقة الجفر عند الشيعة) لمؤلفه أكرم بركات العاملي.
وفي لفتة بالغة الأهمية، ركّز السادة على أهمية التفريق بين “علامات” الظهور و “شرائط" الظهور، فالعلامات هي مجرد إشارات دالّة على قرب اليوم الموعود وهي لا توثر فيه، بينما الشروط هي ما يحدد تحقق ونجاح اليوم الموعود، فلا بد أن تتوفر قبل بلوغه، ولكن من المؤسف جدّاً في واقعنا أن معظم المؤمنين يهتمون بعلامات الظهور بشكل كبير، بينما قد لا تجدهم يعرفوا حتى ما هي شرائط الظهور التي هي في الحقيقة ما يجب أن نعمل على تحقيقه ونهتم به كثيراً، فإذا كان لدينا (٥٠) كتاباً حول علامات الظهور مثلاً، فيجب أن يكون لدينا مقابل ذلك (١٥٠) كتاباً حول شرائط الظهور، ولكن للأسف لا يوجد لدينا حاليا حتى كتاب واحد كتب مخصص لبحث شرائط الظهور! وهذا يكشف عن ضياع الأولويات لدينا في ثقافتنا المهدوية!
ونوه أن من الشرائط التي يجب توفرها ليكون اليوم الموعود ناجزاً:
١)البعد القيادي: ويتمثل في محورين:
أ - القائد الحكيم ذو الخبرة والكفاءة الذي يدير عملية التغيير الشامل للبشرية بأجمعها، وهذا الشخص موجود الآن وهو الإمام المهدي (عج)؛حيث عصمه الله من الخطأ والزلل ما يحفظ البشرية من هذه الأخطاء التي قد تنعكس عليها بأجمعها لو وقعت.
ب - الأعوان أو "الكوادر": فالقائد لا يدير الأمر بمفرده، والسؤال: هل هؤلاء الأعوان وبهذا المستوى العالي من التقوى والإخلاص متوفرون الآن؟!
بالرجوع للروايات التي تحدثت عن الأنصار الـ (٣١٣) -ومعظمهم من الشباب ولا يوجد بينهم شيوخ إلا كالملح في الطعام-، فإنها تخبرنا عن مستوى إيمانهم وشجاعتهم، وهم غير متوفرين حالياً؛ وعليه فيجب أن تكون أولويتنا الآن هي تغطية هذا النقص.
٢) البعد الأيديولوجي: ويتضمن الشرائع والأنظمة والقوانين التي تنظم أمور تلك الدولة، والتي تصلح لكل زمان ومكان، وهذه متوفرة في الشريعة الإسلامية خاتمة الأديان السماوية، ولكن تطبيقها الكامل والصحيح لا يكون إلا على يد المعصوم .
٣) البعد الاستراتيجي المستقبلي: ويتمثل في الرؤية الواضحة والبصيرة الثاقبة للتغيير الشامل، ومعرفة ما بعد الظهور وأهداف ذلك وما سيجري من ممَكّنات ومعوقات، وهذه الرؤية متوفرة أيضاً.
٤) البعد البيئي: ويعني البيئة والظروف المساعدة على نجاح المشروع المهدوي، من قبيل:
أ- يأس شعوب العالم من التجارب الطويلة التي مرت بها ومن الأنظمة والقوانين الوضعية التي لم تحقق آمال الإنسانية.
وهنا، أثار السادة تساؤلاً: هل تعرف البشرية الآن ماذا سيعمل الإمام وما هي أهدافه عندما يظهر، وما هو الفرق بين حضارته وبين ما مرت به سابقاً وتمر به حالياً فترغب بظهوره (عج) لينقذها؟! ومن المسؤول عن إظهار كل ذلك؟!
ب- القاعدة الشعبية الحاضنة: وهم المؤمنون بالإمام (عج) الذين يحتضون حركته التغييرية الشاملة بداية ظهورها.
ج - الوسائط والوسائل التقنية: التي يدير بها القائد هذا العالم الواسع بأسره بيسر وسهولة وبشكل فعّال، ونستطيع القول أنه تحقق شيء منها، وإن كنّا لا نعلم ما هو المستوى اللازم تحققه قبل الظهور.
٥) البعد الشرعي: وهو الإذن الإلهي الخاص بالظهور.
وفي معرض إجابته حول دور المرأة في عصر الظهور، أكّد السادة على ورود الروايات في مشاركة المرأة في نصرة الإمام (عج)، وهو ما يؤكده تاريخ المعصومين جميعاً، فقد قاد نصرة رسول الله كل من خديجة وأبو طالب في مكة، وفاطمة وعلي (هع) في المدينة، وفي الحالتين كانت المرأة متصدية للشؤون المالية والرجل للشؤون الدفاعية. وكذلك قاد نصرة الحسين بعد كربلاء كل من السيدة زينب وإلإمام السجاد ، وكذلك عندما كان الإمام المهدي (عج) في صغر سنه وعند هجوم السلطات العباسية على البيت بعد استشهاد الإمام العسكري ضحّت أمه السيدة نرجس بحريّتها وسجنت لادعائها أنها كانت حاملاً حينئذ حماية للإمام (عج)، وربما كان بجانبها عمّه جعفر الذي ضحى بسمعته وحياته لحماية الإمام (عج) وإشغال السلطة عن الإمام الحقيقي -وإن كانت هذه المسألة خلافية بين المحققين-. فالمرأة في تاريخ أهل البيت لها دور رئيس ومشرّف، وهكذا سيكون في زمن ظهوره (عج)، وهو لدرجة كبيرة ذات الدور وذات المسؤوليات المناطة بها في هذا العصر زمن الغيبة الكبرى كذلك.