التطبير.. بين مؤيدٍ ومعارض

الأستاذ حسن آل حمادة *
اقرأ للكاتب أيضاً

 

في كتابه المعنون بـ(عاشوراء والقرآن المهجور)، يحدثنا الإمام الشيرازي (رحمه الله)، عن جماعة من شيعة الهند زاروه في منزله بمدينة (قم) المقدسة، وجميعهم -على ما يذكر- من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة والثلاثين والخامسة والأربعين، وسألهم عن سبب مجيهئم؛ فأخبروه أنهم سمعوا باسمه الشريف في الهند حينها قرروا زيارته، وأخبروه أنهم كانوا في الأصل من الهندوس، وحكوا له قصة تشيعهم ببركة الإمام الحسين ، وخلاصتها موضوعين يرتبطان بالحسين ، أولهما التطبير على الإمام الحسين ، وثانيهما: عزاء الدخول في النار، حيث يهتف البعض بشعار (يا حسين) ويدوسون بأقدامهم على الجمر! -نعم، لقد تشيع هؤلاء بسبب التزام الشيعة بإحياء الشعائر الحسينية بهذه الطريقة-، بعد أن رأوا بأم أعينهم، وهم من الطبقة المثقفة، بين مهندسٍ، وطبيبٍ، ومحامٍ، وأستاذٍ، عدم تضرر المعزين(1).

هذه القصة وأمثالها تنفي حجج البعض، حين يقولون بأن (التطبير) عمل يضر بالدين والمذهب؛ لأن "الحكم -كما يقول الإمام الشيرازي- لا يتغير بسبب السخرية والاستهزاء، بل اللازم هو إرشاد أولئك البعض إلى مغزى هذه الشعائر وأهميتها"(2).

 

السطور السالفة مقتبسة من دراسة لي بعنوان: (القضية الحسينية في كتابات الإمام الشيرازي)(3)، وأحببت إدراجها هنا، ليس من باب الانتصار لطرف ما، وإنما لألفت نظر القارئ العزيز إلى أن قضية (التطبير) مسألة تحتمل وجهات نظر متعددة، يلزم علينا -كمتابعين- قراءتها بهدوء؛ لئلا نتخذ المواقف المتطرفة تجاه أي طرف!

 

فكما نعلم فإن من يُجيز التطبير لديه أدلته الشرعية، وكذا من يُحرمه؛ فإذا كنا نتحدث بلسان الشارع المقدس؛ فعلينا الإصغاء لآراء الفقهاء.. أما إذا تحدثنا بلغة ذوقية -إن صح التعبير- فلكلٍ منا رأيه!! وتبقى كلمة الشرع هي العليا.

 

  • العوام والإفتاء في الشعائر الحسينية!!

تحت هذا العنوان يقول المرجع الديني السيد صادق الشيرازي: عندما يحلّ شهر محرم الحرام وذكرى استشهاد أبي الأحرار الإمام الحسين ، ترى العجب العُجاب، فما أكثر المتصدين للإفتاء من عوام الناس في هذه الأيام... فكيف يمكن أن يكون اللطم على الإمام الحسين حراماً وهذا هو الشاعر دعبل الخزاعي ينشد أشعاراً في رثاء الإمام المظلوم الحسين بمحضر الإمام الرضا ويقول فيها:

أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً                   وقد مات عطشاناً بشط فرات

   إذاً للطمت الخد فاطم عنده                      وأجريت دمع العين في الوجنات

 

والإمام الرضا -كما يقول السيد الشيرازي- لا يردّه بل يستزيده. فهل يمكن أن ينسب دعبل الخزاعي عملاً محرّماً إلى فاطمة الزهراء ويسكت الإمام عنه؟!(4).

 

"أما مَن يقول إنّ إخراج الدم على الإمام الحسين حرام فنقول له: هل أنت أفقه أم صاحب الزمان (عجل الله فرجه) وهو الذي يخاطب جده الحسين بقوله في زيارة الناحية المقدسة: "لأندبنّك صباحاً ومساءً ولأبكين عليك بدلا الدموع دماً"؟ فهل الدم الذي يخرج من العين أخطر أم الدم الذي يخرج من الرأس بالتطبير أو من الظهر بالسلاسل أو من الصدر باللطم؟ أم أن الإمام الحجة -حاشاه- لا يعرف أن هذا العمل حرام ويعلمه فلان من الناس؟!(5).

  • وماذا بعد؟

الخلاصة: من شاء أن يمارس شعيرة التطبير -بناءً على آراء الفقهاء- فليفعل- وأجره على الله، ومن أراد أن يمتنع؛ فليمتنع وأجره -أيضاً- على الله.. وجميل أن لا نصادر الرأي الآخر، إذا علمنا -بلغة الفقهاء- أن الاحتياط سبيل النجاة!

 

1- السيد محمد الشيرازي. عاشوراء والقرآن المهجور، ط1، (بيروت: مؤسسة المجتبى، 1421هـ). ص 42-45.
2- السيد محمد الشيرازي. رؤى عن نهضة كربلاء، ط1، (بيروت: مركز الرسول الأعظم ، 1422هـ). ص87.
3- انظر: حسن آل حمادة. هكذا ربّانا الإمام الشيرازي. ط2، (الكويت: لجنة سيد الشهداء، 1425هـ)، ص121.
4- السيد صادق الشيرازي. مواعظ إسلامية. ط2، (بيروت: مؤسسة التبليغ العالمية، 1424هـ)، ص60-62.
5- نفس المصدر، ص 65-66.
كاتب ومؤلف ( القطيف )