اكتبني عندك

اللقاء الأول مع المولى الحسين

الأستاذ حسن آل حمادة *

كانت أمنية حملتها سنوات في قلبي لعلي أكون في حضرة الإمام الحسين عليه السلام. لكن، الظروف لم تكتب لي تحقيق هذا الحلم حتى شاء الله سبحانه وتعالى أن يكتبني من زوّار سيد شباب أهل الجنة في موسم من مواسم الأربعين لأول مرة، وكنت فجأة بين الحشود المليونية المتوجهة من النجف إلى كربلاء ضمن المشاية، ثم وفقت مرارًا وتكرارًا للزيارة.

أول الأمور التي تبادرت إلى ذهني هي تصّور حالي وأنا أقف وجهًا لوجه وأنا بين يديه ، فكيف سأختزل الحسين في لحظة؟ كيف سأسترجع ما في ذاكرتي حول ما جرى عليه من أحداث؟ هل أتذكر لحظات مولده التي جعلت سيد الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يبكي عند رؤيته لحفيده، وحين سؤل عن سبب بكائه أشار لواقعة كربلاء وما يجري فيها على حفيده وأهل بيته وأصحابه!

أستحضر ضمن المشاهد، لحظة ركوب الحسين على ظهر سيد الكائنات وهو في حال السجود، وكيف أنه أطال سجوده وحين تعجب المصلون أخبرهم أنه لم يشأ أن يزعج حفيده، ليعلمنا درسًا في التعامل مع الأطفال، وليخبر أمته بمكانة الحسين ، فلا خير في الصلاة التي لا تُصبغ على قلب الأبوين الرقة والحنان مع الأطفال الصغار.

أستحضر حادثة المباهلة في مشهدها العظيم حين خرج الرسول  مع أهل بيته ، ليباهل أهل نجران وهو يحمل بين يديه الإمام الحسين .
أستحضر حادثة الكساء حين ظلل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في قصة مشهورة أهل بيته وهما: الحسنان ووالديهما وكانوا في كنفه تحت الكساء، ليؤكد للأمة أنهم أهل بيته الذين أبعد الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

أستحضر طفولة الإمام الحسين وكيف كانت الزهراء تستحثه ليستمع مع أخيه الإمام الحسن لخطب الرسول الأكرم في المسجد، ليأتيا لها ويخبرانها بما قال جدهما لتعلمهما الجرأة في الحديث وتدربهما على طلاقة اللسان وتهيئهما لارتقاء أعواد المنابر ليخطبا وليرشدا أمة جدهما صلى الله عليه وآله وسلم في المستقبل، فالأطفال بحاجة لتشجيع وتمرين وقدوة في الحياة، وهل ثمة أرقى من بيان نبي البيان ليرتشفا من نميره ويتمثلان مسلكه الذي يخترق القلوب القاسية، ليضفي عليها العذوبة؟

أستحضر معاناة أهل البيت بعد رحيل سيد الخلق وكيف أن الأمة انقلبت عليهم وهم وصيته التي سأل أمته المودة فيهم حين قال: ﴿قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى[الشورى: 23]!

فالأحداث جرت تباعًا على أهل بيته حتى تكالبت عليهم شياطين الأنس، وبلغت قمة المأساة حين أُحتز رأس سيد شباب الجنة وسبي أهل بيته في مشهد تتفطر له الضمائر الحية.

فكيف سيكون حالي وأنا أستحضر كل هذا التاريخ في لحظة أواجه فيها ولأول مرة من قال فيه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم : "حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينًا"؟

ها أنا اقترب شيئًا فشيئًا من حرمه الشريف وأرى قبته النورانية وأجدني أصرخ مع الصارخين -بصوت غلبته الحشرجة والأنين وأنا أهتف- "واحسيناه، واشهيداه، وامظلوماه".

كاتب ومؤلف ( القطيف )