العلامة المصطفى : صناعة التغيير – القسم الثاني
تحت عنوان ( صناعة التغيير – القسم الثاني ) افتتح سماحة العلامة الشيخ المصطفى حفظه الله خطبته ليوم الجمعة الموافق 06/04/1429 هـ في مسجد الرسول الأعظـم بالدخل المحدود بقوله تعالى ﴿ إنَّ اللهَ لا يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَى يُغَيّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ ، وتابع حديثه حول معطيات التغيير على ضوء المنهج الرباني وذكر سماحته بأن هناك ثلاث عقبات تعرقل فهمنا لسنن التغيير :
- العقبة الأولى :
اختلاط المفاهيم لدى المسلمين بين تقديس القرآن والسنة الشريفة من جهة ، وبين الاعتقاد أنهما يغنيان عن كل شيء من جهة أخرى !
وقد طرح سماحته تساؤلاً : كيف لم يرفع القرآن والسنة عن المسلم الهوان الذي وقع فيه؟!!
وفي معرض إجابته على هذا التساؤل قال سماحته أننا نحن كمسلمين نخطئ بحيث يصل تقديسنا للقرآن والسنة إلى كونهما يفعلان المعجزات وهذا هو الغلو ، حيث ننسب إليهما شيئاً ليس من مهمتهما ، وإلا لما بعث الله الرسل والأنبياء لإقامة الدين ! وقال بأن هناك من الناس من يزيدهم هذا الكتاب ضلالاً ولا يزيدهم هدىً.. وقد أشارت مجموعة من الآيات الشريفة إلى هذا المعنى :
كقوله تعالى ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً ﴾ ، ﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾ ، ﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ ﴾ ، ﴿ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ .
- العقبة الثانية :
هل يمكن أن يعترف المسلمون أنهم بلغوا درجة لم يعد ينتفعون شيئاً مما في الكتاب والسنة؟
وفي معرض إجابته على هذا التساؤل قال سماحته إنّ هذا الاعتراف شيء ليس سهل المنال ، وإدراكه أمر له أهمية بالغة ، لأنّ المسلم إن لم يفهم هذا ، لا يمكن أن يغير من نفسه شيئاً ، ولا يمكن أن يتوب مما فيه ، وكيف يتوب وهو لم يشعر أنه قد أذنب ؟!!
إنّ الفهم شرط التوبة ، وهو شرط تغيير ما بالنفس ، والتائب هو الذي غيّر ما بنفسه ، وأشار إلى أن المشكلة ليست في أنّ الكتاب لم يقم بمهمة الإيقاظ ، ولكن المشكلة في المسلم الذي لم يقم بواجب النظر.
وأشار في معرض حديثه إلى أننا نرى كثيرين يتعاملون مع القرآن الكريم بطرق شتى، فالبعض قد اتخذ القرآن طريقاً للكسب وباباً للأرزاق. والبعض الآخر اعتبره وسيلة للعلاج فحسب، فإذا ضعف بصره، أو صدع رأسه، أو آلمته أمعاؤه، هرول إلى القرآن ليتلو آيات معينة منه حتى ترتفع بسببها هذه الأمراض والأسقام، وأما في غير هذه الحالة فلا يذكر القرآن.
وهنالك مجموعات أخرى لا تفتح القرآن إلا عند الاستخارة أو حين السفر. أنا أؤمن بكل استفادة من القرآن الكريم ولكني لا أعتقد تحديد الاستفادة منه ضمن هذه المجالات.
وكثير من المسلمين لا يتلون كتاب الله إلا قراءة سطحية كحروف بلا معنى، وكلمات بلا مفهوم، ومع إيماني أنّ كل من يتلو مأجور على مجرَّدِ قراءته، لكنه لا يتعامل مع كتاب الله بالشكل المطلوب قطعاً، لعدم فهمه للقرآن، والفهم هو المقدمة لكل تطبيق، في الوقت الذي كان الأولون لا يحفظون آية حتى يتفكروا في أبعادها المختلفة، وحتى يدركوها بشكل كامل، ولا ينتقلون إلى غيرها حتى يطبقوا ما حفظوه وفهموه.
- العقبة الثالثة :
إذا كان ذلك حقاً فكيف خفي على الملايين من المسلمين ، خلل مئات السنين؟!! فما لم تزل هذه العقبة ، لا يمكن التقدم في حل المشكلة.
وأشار سماحته إلى أن الخوف من إدانة المئات من الملايين من المسلمين ، بأنهم لم ينتبهوا إلى هذا الخلل مئات السنين لا مبرر له ، وهذا القلق الذي يخطر ببال المسلم ، من استغراب غفلة الملايين خلال مئات السنين ، لا يحل إلا حين نتوجه إلى الكتاب والسنة بعيون وقلوب مبصرة، وعندها لن نضل أبداً .
وقد بيّن سماحته الكثير من المفاهيم المهمة ، وشدّد بالقول إلى إنّ وعينا للقرآن والسنة ينبغي أن نستلهمه من وعي نبينا محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين..
وقد ختم خطبته حفظه الله بالقصة المعروفة التي نقلها ابن شهرآشوب في (المناقب) أنّ الفيلسوف الكندي : أخذ في تأليف تناقض القرآن وشغل نفسه بذلك وتفرّد به في منـزله ، إلى أن اهتدى على يد الإمام الحسن العسكري ودعا بالنار وأحرق جميع ما ألفه .