العلامة المصطفى : صناعة التغيير – القسم الأول

شبكة مزن الثقافية
سماحة العلامة الشيخ حسين المصطفى (حفظه الله)
سماحة العلامة الشيخ حسين المصطفى (حفظه الله)

 تحت عنوان ( صناعة التغيير – القسم الأول ) افتتح سماحة العلامة الشيخ المصطفى حفظه الله خطبته ليوم الجمعة الموافق 27/03/1429 هـ في مسجد الرسول الأعظـم بالدخل المحدود بقوله تعالى ( إنَّ اللهَ لا يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَى يُغَيّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) ، فبعد أن بيّن معطيات التغيير على ضوء المنهج الرباني أثار عدداً من الأسئلة المهمة :

  • من أين يبدأ التغيير ؟
  • ومتى نملك أو نمتلك التغيير في حياتنا ؟
  • وهل صناعة التغيير مرحلة سهلة ؟
  • ما هي أسرار صناعة التغيير الذاتي ؟

وغيرها من الأسئلة التي تطرح كمنهج متكامل حول معطيات هذه الآية المهمة في سنن التكوين .

  • ثم تحدّث سماحته عن السؤال الأول: من أين يبدأ التغيير؟

وذكر بأن الآية الكريمة حَوَت أموراً مهمة في منهج التغيير لأي فرد ومجتمع ، واستخلص منها عدة معطيات:

1- أن سنّة التغيير المشار إليها في هذه الآية كشأن السنن الاجتماعية جميعها ، هي سنة كونية عامة تسري على كل المجتمعات مسلمها وكافرها وهو ما نستفيده من لفظ ( مَا بِقَوْمٍ ) .
2- في الآية الكريمة تغيّران :

أ‌- تغّير الله : وهو تغيير ما بالقوم .

ب‌- تغيير القوم : وهو تغيير ما بالنفس .

والتغيير الذي ينبغي أن يحدث أولاً هو التغيير الذي جعله الله مهمة القوم وواجبهم بأقدار الله لهم على ذلك ، وأن السعادة الاجتماعية - الشقاء الاجتماعي والفقر والمرض والجهل والهزيمة والانتصار والعلم والثقافة وكل حالة في المجتمع هي نتيجة عملنا المباشر ولا يُفرض علينا شيء أبداً إذا نحن ما أردناه .

3- مجال التغيير الأول : ( تغيير الله ) يشمل كل ما يتعلق بالقوم من قوة وضعف .. ونجاح وفشل .. وعز وذلة .. وتطور وتخلف .. وهداية وغواية ونحوه .

4- مجال التغيير الثاني : ( تغيير القوم ) وهو ما بالنفس ويشمل الأفكار والتصورات : كيف نرى ونفهم ونفسر الأشياء ؟ كيف نربط بينها ؟ كيف نجمع الأجزاء لنصل إلى الصورة الكبيرة ؟

وأشار سماحته إلى إنّ الذي يريد أن يغيّر صورته الاجتماعية - نظرة المجتمع له - دون أن يغيّر حقيقة نفسه ليس أفضل حالاً ممن ينظر إلى صورة وجهه في المرآة فوجده متسخاً فعمل على إزالة الأوساخ من المرآة وليس من وجهه .

ثم تحدث سماحته عن الحديث الوارد عن النبي محمد عن زياد بن لبيد أنه قال: « ذكر النبي شيئاً فقال: وذاكَ عندَ ذهاب العلم . قلنا : يا رسول الله وكيفَ يذهبُ العلمُ ونحنُ نقرأ القرآن ونُقرِئُه أبناءنا، وأبناؤُنا يقرئُونهُ أبناءَهم إلى يوم القيامةِ ؟ فقالَ: ثَكِلتكُ أمكَ يا ابن لَبِيد ، ... أوَ لَيس هذهِ اليهودُ والنصارى يقرؤون التوراةَ والإنجيلَ ولا ينتفِعونَ ممِا فِيهِما بشيءً ؟ ».

واستنتج سماحته من هذه الرواية بأن النبي كان يرى المستقبل من خلال السنن ، أي السنن التي تعم الجميع ، والتي انطبقت على أهل الكتاب السابقين ، ويمكن أن تنطبق على أهل القرآن.

فلقد صعب على زياد بن لبيد أن يفهم كيف يذهب العلم ومعهم مصدره وهو القرآن الكريم ، فيضرب الرسول المثل على إمكان ذلك من واقع الحياة المعاصرة لهم ، من مجتمع سابق لا يزال معاصراً لهم ، معهم الكتاب ولا ينتفعون مما فيه بشيء .

وقال سماحته بأنّ مصير المسلمين إلى ما صار إليه السابقون أمر ممكن وهذا ما تم ، فالمسلمون اليوم يقرؤون القرآن والحديث ولا ينتفعون مما فيهما بشيء ، وما ذلك إلا لذهاب العلم الذي ذهب معه الانتفاع منهما كما يبين الحديث .

  إنّ الرسول يقرر أنه إذا ذهب العلم ، يذهب معه الانتفاع مما في القرآن والحديث أيضاً ، وأشار سماحته إلى أننا قد نختلفُ على حقيقة هذا العلم ، وهَل هو عندنا ، أم ليس عندنا ؟ ولكن المهمَّ أنّ الرسول حدده بأنه علم ، ومهما اختلفتا فإنّ الواقع أقسى من أي خلاف .

وقد أنهى سماحته حفظه الله حديثه بقوله : إن أي تحول في ظاهر الشخصية يسبقه تحول داخلي في أعماق النفس ، وكي نصل إلى تغيير تصرفاتنا وسلوكياتنا وطريقتنا في التعامل مع الحياة لا بدّ أن نصنع تحولات جذرية في أعماقنا وقد قيل : إنّ أضخم معارك الحياة تلك التي تدور في أعماق النفس ، ألم يقل الرسول الأكرم :  رجعنا من الجهاد الأصغر وبقي علينا الجهاد الأكبر؟!!