الشيرازي المثال الغائب 2/2
واجه مشروع الإمام الشيرازي وشخصه «قدس سره» العديد من العقبات السياسية منها والدينية، فكانت الحكومات البعثية والشخصيات الشيوعية واحدة من تلك المطبات التي حاولت جاهدة لإجهاض المد الشيرازي في العراق والقضاء على عناصره من خلال العمل على بث الشائعات والتهم ضد العاملين في الجهاز المؤسسي المرجعي، فصدر حكماً غيابياً بإعدامه وإعدام بعض مريديه ومنهم أخوه الشهيد السيد حسن الشيرازي مؤسس الحوزة الزينبية في سوريا و الذي اغتاله البعثيون في لبنان عام 1400هـ في طريقه للمشاركة في مجلس الفاتحة الذي أقامه بمناسبة استشهاد السيد محمد باقر الصدر «قدس سرهما».
كان للشيوعيين دور كبير في التسويق اجتماعياَ ضد الشيرازي الذي كانت له مباحثات عديدة معهم ليروجوا ضده الكثير من التهم التي لاقت قبولاً بين الدينيين منها ما كتبه "قدس سره" بنفسه إذ يقول: « ولما طبعت كتاب ( الفقه) قالوا ليس له.. وحين خرج كتاب لي في (الأحاديث) قالوا: أنه تأليف والده ولكنه لم يرد أن ينسبه إلى نفسه فنسبه إلى ابنه.. ولما أخذنا ندعو الشيوعيين بالحكمة والموعظة الحسنة ونجادلهم بالتي هي أحسن قالوا: إنه عميل أمريكا.. ولما قمنا ببعض الإصلاحات المرتبطة بإيران، قالوا أنه شيوعي خطير.. ولما توفي السيد الحكيم والتف الناس حولي أكثر فأكثر، أصدروا فتاوى مطبوعة بأنه ليس بمجتهد، وفتاوى بأنه لا تجوز الصلاة خلفه.. ولما أخرجنا الرسالة العملية قالوا: أنه دعوى عظيمة وادعاء ما ليس له.. ولما خالفنا حركات عبد السلام عارف ضد الشيعة قالوا: أنه يتلقى الأموال والتخطيط من إيران.. ولما أن كونا هيئة التبليغ السيار لأجل القرى والأرياف، قالوا: يريد إدخال الأعراب في تقليده بهذا الطريق.. ولما أن سقنا إلى الكويت بسائق القدر، نشر بعض المناوئين منشوراً سرياً عن لساني:( إن هجرتي كهجرة الرسول إلى المدينة، بدء انطلاقة إسلامية جديدة)، يريد تأليب الناس عليّ.. ولما أن فتحنا المدرسة الصناعية، قالوا: فتح حوانيت» (1) وغيرها من الادعاءات التي تصل إلى الستين وفقاً لمقدمة الكتاب.
وبعد الانتهاء من وضع الأسس لهذه الحملة الشعواء، بدأ الترويج لها بين أوساط عامة الناس واشترك فيها المتدينون والعازفون عن الدين على حد سواء دون التحقق والتباحث مع المتهم للوصول إلى أي قناعة ولو جزئية بصحة أو بطلان ما يشاع ضده، فالبعض وجد من الشيرازي لقمة سائغة ولحماً يتلذذ بنهشه مع عامة الناس، وللأسف كان دور الفساد الذي أحدثه المتدينون في جسد الأمة أشد ضرراً وإيلاماً من غيرهم.
فقد واجه مشروع الإمام الشيرازي (2) صعوبات جمة تسببت في إيقاف بعض المشاريع، حيث قام البعث الحاكم في العراق بإغلاق عدد من المؤسسات الدينية والاجتماعية التابعة لمرجعية الإمام الشيرازي من دور النشر والمطبوعات ومدارس تحفيظ القرآن الكريم والمجلات والهيئات الشبابية وغيرها من المشاريع (3)، ولم تقتصر محاربة الشيرازي على السلطات الظالمة بل ساهم فيها وبشكل فاعل بعض التكتلات الحزبية في العراق، يقول الشيخ عبد العظيم المهتدي البحراني في إجابة طويلة على سؤال وجهه للإمام الشيرازي: حول السر في تسقيطه؟ ومما أجاب به الإمام الشيرازي: « قبل 45 عاماً جاءني إلى كربلاء ثلة من الأفندية (الإسلاميين) من بغداد فقالوا إنهم شكلوا حزباً إسلاميا يريدون لواجهته علماء دين، لأن الناس لا ينضمون إلينا، فسماحتكم من أبرز المعاصرين، فقلت لهم: تكلموا عن مبادئكم وأدبياتكم وأهدافكم، فتكلموا.. فعرفت أن في اعتقاداتهم وخاصة في الولاء لأهل البيت وفهمهم للشعائر الحسينية إشكالات كثيرة، فلكي أصلح لهم هذه الإشكالات قلت لهم: أقبل الانضمام إليكم بشرط الطاعة للمرجعية الدينية التي أمثلها، فقالوا: كلا نحن نريد عالماً يؤيدنا في خطواتنا، فقلت لهم: ابحثوا عن غيري.. من هنا بدءوا الفتنة التسقيطية.." (4) التي ظلت تروج للحد من الشيرازي وتحجيم فكره ونشاطه محلياً وخارجياً.
وعلى الرغم من المكانة الرفيعة التي اكتسبها الإمام الشيرازي «قدس سره» وبما تمتع به من الجهاز المرجعي المتكامل بمؤسساته ونفوذه الاجتماعي والسياسي في المؤسسات الرسمية عن طريق مشاركة بعض المحيطين به وبتشجيع منه في العراق والكويت على المستوى الدبلوماسي والإداري (5) ومع ما اتصف به من طرح أفكار تجديدية في الأبواب الفقهية ومنها كيفية الصلاة فوق سطح القمر مثلا ، إلا أن ذلك كله لم يغير شيئاً في الرجل، فبقي متمسكاً بمبادئه وأفكاره مع كل المحاولات والصعوبات التي جاءت ليقايضه بها الآخرون لأجل تغيير وجهات نظره وبعض مواقفه ليعيش حياة هانئة من كل المنغصات والعراقيل في مواجهة مشاريعه والعمل على إيقافها.
فلو نظرنا إلى حال بعض المفكرين أو المثقفين وبمجرد أن يصل إلى مرتبة من العلم أو الثقافة أو الجاه أو المعرفة بالعلوم الحديثة، تراه ينسف بعض الأفكار التي كان يؤمن بها وأفكار الآخرين وإن كانت سليمة في بعض الأحيان، فيراها مجرد أمور تقليدية لا تغني ولا تسمن من جوع.
من هنا كان جلياً إصرار الشيرازي على طرح ما يرتئيه واستخدام السبل المختلفة لتوسيع نطاق الفكرة من خلال تحويلها إلى برنامج حي يسهم في تنشيط الوضع القائم وتغييره نحو الأفضل، ومدى النشاط وحالة الإصرار والتميز انعكست بشكل مباشر على مريديه في مشاريعهم الاجتماعية لتخلق جواً من التنافس الايجابي – إن شاء الله- في المجتمع بين التكتلات العاملة في الساحة الإسلامية.