الثورة الحسينية هدفٌ وعطاء

اقرأ للكاتب أيضاً

الهدف هو :الغاية التي من أجلها تُنجز الأعمال وتبدل الطاقات في سبيل تحقيقه و الوصول إليه.
وعند أهل البرمجة العصبية هو :الحقيقة الداخلية,أو "المسودة المتعددة الحواس لما نصنعه"(1)
هدفية الإمام الحسين :
المتتبع تاريخياً لقضية الإمام الحسين يتضح له رؤية الهدف الذي من أجله خرج الإمام على طغاة عصره وضحَّّى من أجله بالغالي و النفيس وعرَّض نساءه وأهل بيته للسبي و الأذى و المشاق,وقد صرح الإمام الحسين بهذا الهدف عندما قال : (لم أخرج أشراً و لا بطراً و لكن خرجت للإصلاح في أمة جدي آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر),هذا هو الهدف المقدس من خروج الإمام الحسين عليه السلام( الإصلاح _ الأمر بالمعروف_ النهي عن المنكرات )ولا نريد في هذا المقال المتواضع التحدث عن  الإصلاح في الأمة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و ما أهميتهما في الإسلام و للفرد و المجتمع, فأهميتهما واضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار و فوائدهما على الفرد والمجتمع فوائد جمة و معروفة, وإنما أردنا أن نطرح ونوضح هنا مفهوم الهدفية الذي أتصور أنها مغلوطة عند كثير من الناس والله العالم.

  • الهدف من المجالس الحسينية والمواكب العزائية:

لو قمنا بعملية استقرائية لأي مجتمع من المجتمعات الشيعية لموضوع الهدف من الحضور في المجالس والمواكب الحسينية, لاتضح لنا التباين في الإجابات, فكلٌ على حسب وضعه واهتماماته وميوله سوف يجيب من هدفه من الحضور, فهناك من يحضر وهدفه موضوع الخطيب وهناك من يحضر وهدفه البكاء ونيل الثواب و البعض هدفه الحضور نفسه أي لكون هذه الأيام موسمية مناسباتية جماهيرية تعوَّد عليها منذ الصغر (فحشر مع الناس عيد) ومنه من يهدف إلى إشباع البطون فتراه يذهب إلى المجالس أو المواكب التي تقدم وليمة غداء أو عشاء إذا سألته لماذا هذه الهدفية؟ لقال لك للبركة!! ومنهم من يحضر لأجل الحسين كما يعبرون ويشرك في هدفه الالتقاء بالأصدقاء والأحباب الذي لا يلتقي بهم إلا في المناسبات, ومنهم من يحضر لأجل ميله وحبه وتوافق خطه مع الخطيب الفلاني أو الرادود الفلاني, ومنهم من يهدف من حضوره المجالس و المواكب لأجل تقوية علاقته بالإمام الحسين عليه السلام والارتباط بثورته المقدسة قاصداً في حضوره النصرة لهذه الثورة المقدسة ولأهدافها المباركة التي أعطت وما زالت تعطي ثمارها التي من أجلها ضحّى الإمام عليه السلام,وما ثورة الإمام الخميني رضوا ن الله عليه إلا ثمرة و نتاج لثورة الإمام الحسين عليه السلام  وانتصار حزب الله أيضاً ما هو إلا رشحات من فيض الثورة الحسينية, الفياضة بالعطاء الثوري, والبطولي, والتضحوي, والأخلاقي, والعقائدي والسياسي(2).

فهذه الأهداف الموجودة في أكثر مجتمعاتنا الشيعية فاستقرِئها على نفسك لتكتشف من أي فئة من الأهداف أنت تهدف من حضورك المجالس و المواكب.

  • هدفية الخطباء:

وهنا أقدم اعتذاري مسبقاً لجميع الخطباء, حتى لا يهجم عليّ أحد ٌهجمة شرساء,لأني لا أقصد جميع الخطباء,وإنما البعض وإن كانوا الأكثرية.
فبعض الخطباء مع شديد الأسف كل هدفه من ممارسة الخطابة هو الجانب المادي مع تغليفه بأن هذه المادة بركة الإمام الحسين   ,و البعض منهم يهدف إلى الشهرة في المجتمع,وأنا أطرح هدفية هذه الفئة لعلمي الشخصي بهم عن قرب لا عن فرضية و تخمين,والبعض يهدف إلى نصرة خطه و توجهه من خلال المنبر و استغلال الحضور وخاصة في أيام عاشوراء,و البعض يهدف إلى _وهم قليلون_ الإصلاح في المجتمع و نشر ثقافة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر جاعلاً كل اهتمامه منصب في نصرة هدف الحسين مع التركيز على حل قضايا و مشاكل المجتمع ورفع مستواه الأخلاقي و العقائدي و السياسي والعلمي,وهو في تصوري أسمى و أنبل هدفية يعيشها الخطيب.

  • تطابق الهدفية:

مع كل هذا وذاك لو رجعنا إلى جميع تلكم الأهداف لرأينا أن القليل منا يحمل تلك الهدفية التي تتطابق مع هدفية الإمام الحسين و لو بنسبة 50% .
لهذا تمر علينا ذكرى عاشوراء و تنتهي في كل عام و مجتمعنا لا يخرج بشيء يذكر يعتدُّ به,سوى إقامة الذكرى و إحياءها,ولو أن هذا شيء مقدس ومأموراً به من قِبَل أهل البيت (احيوا أمرنا رحم الله من أحيى أمرنا أهل البيت ).

ولكن هل نتوقع من أهل البيت أن يكونوا راضين عنا ونحن في اللا مبالاة و مكانك سر,بل في تأخر عن الواقع المتحضر المعاش,وانحدار نحو الهاوية أخلاقياً و عقائدياً و سياسياً و اقتصادياً؟؟

أخلاقياً:الجرائم المتتالية في الآونة الأخيرة وخاصة الاعتداءات والتحرشات الجنسية التي يندى لها الجبين,و السرقات واختطاف الفتيات و الأحداث و النزاعات التي تصل إلى حد القتل و التفرقات,كل ذلك يدل على هبوط و تدني في الجانب الأخلاقي.

عقائدياً: ضعف الجانب الإيماني الوجداني بوجود الله وبمحضره المقدس,وبأهل البيت و بمقاماتهم و كراماتهم و منزلتهم عند الله من الناحية العقدية و الثقافية,أفرز لنا مشاكل كثيرة جداً.

سياسيا:ًعدم تأثر منطقتنا إيجابياً بالأحداث السياسية العالمية و المحلية و المناطقية الأخيرة و التي تحدث للشعوب وخاصة في المناطق و الدول التي حولنا,دليلٌ على غياب الدور و الوعي السياسي,مما جعلنا متخلفين عن الركب الحضاري السياسي عن بقية الشعوب وجعلنا نمارس دور المتفرج بدلاً من دور المتأثر و المؤثر نحو التغيير للأفضل.
اقتصادياً: عدم استثمار و إدارة أموال الخمس الضخمة (الذي يحسدنا عليها أبناء المذاهب الشقيقة) بالشكل الصحيح و المطلوب و عدم القضاء على حالات الفقر المنتشرة في منطقتنا أدى إلى تراجعنا اقتصادياً.

هذا باختصار شديد جداً, وإلاَّ لكل صعيد من هذه الأصعدة شرح مطول نأينا عنه لعدم الإطالة.

  • ما هو الحل:

ليس الأمر استعراضاً للمشاكل و وصفاً للواقع الذي تتأسى منه القلوب وتتأذى منه النفوس بقدر ما هو إيجاد حل لهذه المشاكل و الواقع المتدني و خاصة الجانب الأخلاقي.
ونحن كمؤمنين بأهل البيت عليهم السلام و سائرين على خطهم نعتقد جازمين بأنهم سفينة النجاة والبلسم الشافي لكل الأمراض الظاهرية منها والباطنية على جميع الأصعدة بلا استثناء لكل المجتمعات الإنسانية مطلقاً,فلن نجد من هو أفضل منهم يقدم لنا الحل,فالرجوع إليهم منجاة من الهلكة(من تمسك بهم نجى و تخلف عنهم غرق وهوى ),فلنستمع إلى ما يقول أهل البيت من حلول لعلنا نكون من الناجين:

(شيعتنا من أطاع الله) أي الامتثال لأوامر الله و اجتناب نواهيه.

 ( عليكم بمكارم الأخلاق فإن الله عز وجل بعثني بها) ),( أفاضلكم أحسنكم أخلاقاً...) ,( إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً) الحث على تهذيب النفس لكسب الملكات الأخلاقية و المعنوية.

( إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافعٌ مشفَّع,وهو الدليل يدل على خير سبيل لا تحصى عجائبه,ولا تبلى غرائبه,فيه مصابيح الهدى,و منار الحكمة...) ,الرجوع على القرآن الكريم لكل داهمة صغيرة كانت أو و كبيرة.

( من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم ),الحث على الانتمائية بالاهتمام بشؤون المسلمين و ما يحدث لهم و من تغيرات في العالم و الاستفادة من ذلك.
( لتأمرنَّ بالمعروف و لتنهنَّ عن المنكر,أو ليستعملنَّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم )8 التأكيد على تطبيق الإصلاح في الأمة للقضاء على الفساد و المنكرات,ليعم الأمن و الأمان و يستجاب الدعاء و تنزل الخيرات و البركات.

هذه هي الوصفات الناجعة التي توصلنا إلى النور و الرشاد( كلامكم نور و أمركم رشد),ولكن إلى من يستمع القول ويعمل على اتِّباعه ويجعله مصداقاً ينبض بالحياة في كل موقف وكل حركة و سكنة,بل في كل ذرة من ذرات وجوده ليكون مصداقاً لقوله تعالى عزه:(الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)