الإسلام والأخلاق

شبكة مزن الثقافية


يقول الإمام علي : (حسن الخلق خير قرين، وعنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه).

ويقول الإمام الصادق :

(من ساء خلقه عذب نفسه).

من العقل والحكمة أن يكون الإنسان أخلاقياً. فالأخلاق هي الحالات الوسطى للتصرفات، فلا إفراط ولا تفريط.

والله - سبحانه وتعالى - جعلها كذلك، لأنها وسيلة إسعادنا في الحياة الدنيا، والآخرة.

فعلى سبيل المثال: جعل لنا الشجاعة خصلة متوسطة بين التهور، والجبن فلا المطلوب أن يكون الواحد منا مفرطاً في الشجاعة فيصبح متهوراً، ولا المطلوب أن يكون مفرّطاً فيها فيكون جباناً، فالتهور إلقاء النفس في المهالك، والجبن عجز ومنقصة، والشجاعة هي الحالة المتوسطة،وهي المطلوبة.

والأخلاق السامية ليست تكتيكات مؤقتة، بل هي استراتيجية دائمة، فليست الشجاعة - مثلا - في مرحلة ما هي فضيلة، وفي مرحلة أخرى هي رذيلة.


b  كن عادلاً

أن تكون عادلاً يعنى أن تضع الأمور مواضعها، أو بعبارة أخرى أن تعطي كل ذي حق حقه. فاعمل على تطبيق قيمة العدل في كل مجالات حياتك ما استطعت. وراقب نفسك في تطبيقك لهذه القيمة.

فعلى سبيل المثال - لا الحصر - إذا كنت متزوجاً، وكان لك أبناء، فانظر هل أنت تعدل فيما بينهم؟ وإذاكان لك أكثر من صديق فهل تعدل بينهم؟ أو إذا كان لك أكثر من زوجة فهل تعدل بين زوجاتك؟

وهكذا الحال بالنسبة للجوانب الأخرى التي تتطلب منك التزام العدل، وما أكثرها من جوانب!

ولكي تطّلع على كثير من مجالات العدل، حري بك أن تقرأ (رسالة الحقوق) للإمام زين العابدين (عليه السلام)، لكي تعرف الحقوق التي عليك وتلك التي لك، فلربك عليك حق، ولنفسك عليك حق، ولأبويك عليك حق، ولجارك عليك حق، ولصديقك عليك حق، ولمعلمك عليك حق، و... فاعط كل ذي حق حقه، تكن عادلاً.

قال الإمام علي :

(جعل الله العدل قواماً للأنام، وتنزيهاً من المظالم والاثام، وتسنية للإسلام).

ويقول أيضاً.

b العدل نظام الأمر.

ويعني ذلك أن لا تجعل الهدف من التزامك بالأخلاق الإسلامية تحقيق المصالح عن طريق الضحك على ذقون الناس بالظاهر الأخلاقي، بل اجعل التزامك بالأخلاق ديدناً لا تحيد عنه، وطريقة حياة تجري في شرايينك، وعادات، وتقاليد، وسجايا، تطبعت نفسك بها، وتخلقت، ابتغاء الإحسان إلى عباد الله، وقبل كل شيء ابتغاء مرضاة الله، واعلم أنه حتى مواجهة الظلم والطغيان، هدفها إحلال الأخلاق محل اللا أخلاق، وصراع المؤمنين مع الظلم والطغيان، جزء كبير منه هو من أجل هذا الهدف نفسه.

وهذا ما أوضحه الإمام الحسين حينما بين الهدف من نهضته، قائلاً:

(إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله. أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر...).

وأخلاق الإنسان لا تقاس حينما يكون وحده، وبمعزل عن الناس، ولا يوجد تماس واحتكاك بينه وبينهم، وإنما تقاس حينما يدخل ميدان التعامل مع الناس، وتوضع أخلاقه على محك الواقع الخارجي. فكم من أناس هم أخلاقيون حينما يكونون بعيدين عن الناس، لكنهم حينما يتعاملون معهم يظهرون على حقيقتهم.


b ابدأ بنفسك أولاً

قبل أن تبدأ بتغيير الآخرين إلى الأفضل، أو تأديبهم، أو تعليمهم، ابدأ من نفسك. لأنه عار على الإنسان أن يؤدب الآخرين أو يعلمهم، وهو بحاجة إلى أن يؤدب نفسه ويعلمها:

ومن الخطأ أن يرى الإنسان، غيره من الناس مطالبين بالتأدب والتعلم، وهو ليس مطالباً بذلك. ومن الغبن والخسران أن يوجه المرء، الآخرين ليتصفوا بصفة معينة، وهو يفتقر إليها.

يقول تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم، وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون؟!).

فاعلم أن معلم نفسه ومؤدبها أحق بالاحترام من معلم الناس ومؤدبهم.

يقول الإمام علي :

(من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، ولكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم).

وليست مسألة البدء بتعليم النفس وتأديبها مقصورة على الإمام أو القائد، بل هي مطلوبة من كل إنسان مهما كان مستواه العلمي والخلقي، وإنما ركز الإمام في كلمته على (الإمام) باعتبار أن القائد قد يصاب بداء الترفع على الآخرين أكثر من غيره، وقد يعطي لنفسه صلاحيات كثيرة، فقط يأمر الآخرين وهو لا يلتزم بما يأمر به.

ويفهم من كلمة الإمام، إن كل من وضع نفسه موجهاً للآخرين، فهو في وضعه هذا كالإمام، ومطلوب منه أن يبدأ بتربية وتأديب وتعليم نفسه قبل غيره.


b اتخذ الرمز

أنت وأنا - باعتبارنا خطائين، ونسعى إلى التكامل في الحياة - لاغنى لنا عن اتخاذ الرموز والقدوات. واتخاذ الرموز لا فرق فيه أن يكون المقتدي إنساناً عادياً أو متضلعاً في العلم أو العمل، أو الأخلاق، فالكل بحاجة إلى الرمز. كما أن المقتدي قد يكون كل إنسان حامل لصفة خيرة.

ولقد أثبتت مسيرة التاريخ أن لاتخاذ الرموز والقدوات دوراً كبيراً لا يستهان به في عملية البناء الإنساني، والتقدم الحضاري.

فلكي نجعل أنفسنا على طريق الحكمة، أمامنا الأنبياء، والأئمة عليهم السلام، والصالحون، والصديقون، والشهداء، وهم أفضل القدوات، وأولادها.

فهلا نتخذهم رموزاً لنا؟

يقول تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).

وكقاعدة عامة: كن متواضعاً، وانظر إلى أي شخص من حولك، يتصف بصفة خيرة أنت تحتاجها، فاقتد به فيها، ولن تخسر شيئاً، بل أنت الناجح.

b حاول أن تكون قدوة لغيرك.

إذا اتخذت رموزاً، وعملت على الاقتباس من شخصياتهم، وعلومهم، وأخلاقياتهم، واتصفت بها. اعمل على أن تكون نبراساً لغيرك.

واعلم دائماً أن الناس لا تقتدي بالذين يضحكون على ذقونهم، عن طريق ظاهرهم الجيد - فقط - دون الباطن، وعن طريق المظهر دون الجوهر، بل تقتدي بالمخلصين، قولاً وفعلاً، ظاهراً وباطناً، مظهراً وجوهراً.

وإذا رايت شخصاً ما يقتدي بك في بعض أخلاقياتك، وسلوكياتك، وممارساتك، فلا تخبره بذلك لأن العبرة، بأن تكون قدوة لغيرك. وإذا ما أخبرته فإن ذلك قد يجرح مشاعره، وقد ينكر أنه يقتدي بك، وربما أدى ذلك إلى عدوله عن الاقتداء بك. وكما تقول الحكمة الشهيرة: (كن حكيماً ما شئت، ولكن لا تخبر الآخرين بأنك كذلك).