القرآن والتغيير الشمولي

المعجزةُ الخالدة التي لا نزال نعيشُ في ضيافتها القرآن الكريم، فكيف نستطيع أن نستفيد منها بالصورة المثالية؟ وما هي النُهج التي من خلالها نستطيع أن نواكب تلك الحضارة التي يرسمها لنا الخالق-عز وجل- من خلال آياته؟ بل كيف نستطيع أن نصل إلى ذلك التغيير الشمولي من خلال أُطروحاتٍ قرآنية متينة التأصيل خلابة التحليق..
القرآن بمثابة المذياع أو رجل الدين الذي يتحدث بالكثير من العلوم القيمة، والحكم النيرة، يستفيد منها كل من أصغى لها وتفاعل معها، إلا أن ذلك التفاعل قد لا يكونُ له قيمة حينما تتبخرُ تلك الأفكار ساعة التنفيذ!

والسؤال المزمع مُناقشته في هذه السطور: كيف نتغير بالقرآن؟ وما هي تلك الدساتير والبروتوكولات التي من خلالها نحصل على ذلك التغيير الشامل؟

وحتى ندرك تلك الأهداف الكبرى ؛لابد أن نقرأ القرآن بلغةٍ جديدة، قوامها التكهرب بآياته والشحن الإيماني المتولد من تلك الروح التي يبثها في أعماقنا، ومن أبرز تلك الأفكار الناهضة الموصلة إلى تلك الأسس التي ستغيرنا من الأعماق...

1-التحاور القرآني:

القرآن يُعد معلماً يستخدم أسلوب المحاورة، فتارةً يعطي الحكمة على طبقٍ فاخر، وأخر يروي لنا قصة ممتعة الأحداث نستخلصُ منها السنن الكونية التي بها يتحرك دولابُ الزمن، وأخرى يُلقى الأسئلة!

قد يتساءل البعض:

فأين هي المحاورة؟ نقول إنها في استجابتنا إلى تلك الأفكار، فتارةً نكذب بتلك الآيات حينما ننحرف عن تلك التوجيهات، وأُخرى نؤمن بها ونصدقها حينما نفعل ما يأمر، إلا أن الإجابة هنا تنطلق من التنظير إلى ساحة التطبيق  في (معمل الحياة الدنيا) بل هنا ينعكس مقدار ذلك التفاعل مع تلك الآيات!
وهكذا نجد أن تلك المحاورة ليست مقتصرة على عمرٍ معين، بل هي للجميع والكلُّ يقطف على مقدار وعيه ووعائه من تلك المحادثة الربانية.

2-القراءة المعمقة:

هناك من يتلو آيات القرآن من أجل حصد الثواب، وإثقال الميزان بالحسنات.. وهذه عبادةُ التجار،كما يصفها أمير المؤمنين إلا أن هناك عبادة أٌُخرى أرقى العبادات وهي التي تمس الأوتار الحقيقية.. أو كما يُسميها عليه السلام بعبادة الأحرار.. حينما نقرأ القرآن لأنه يستحق القراءة.. وليس أي قراءة، إنها القراءة الواعية التي تنطلق من السطح إلى العمق.. إلى حيث الأغوار الباطنية، بغواصة التحليل سنصل إلى ذلك القعر، وعند ذلك سنقطف الرؤى.

3-التأثير بالقرآن:

البعض يمس حروف القرآن ويمرغ به وجهه، ويمسح به ظهرهُ وبطنهُ وصدره من أجل البركة أو الشفاء والحفظ، ويغرق في تلك الكلاسيكية المحدودة.

القرآن لا يريدنا أن نبقى مُتأثرين به فقط، بل يريدنا أن نقفز إلى مستوى التأثير به.. لا يكفي أن نمرغ وجوهنا في سطوره، ونغفل عن ذلك التأثير الروحي المتعملق في أغواره، أنه يحثنا أن نكون مؤثرين مثله؛ ولكن كيف يكون ذلك؟!

كيف نحلق من عتبة التأثر إلى عتبة التأثير؟ كثير ما نسمع إرشادات العترة الطاهرة (المؤمن يؤثر،ولا يتأثر) وهنا فيه دلاله واضحة على أن التأثير هدفٌ يجب أن نسعى لتحقيقه؛ ولكن كيف نحلق إلى سدة التأثير؟

الجواب: أن نرتوي من نمير القرآن، حتى تسري رؤاهُ في عروقنا كمجرى الدم.. عندها يكون كل فرد منا قرآناً متحركاً في أرض الواقع، من خلال: (تفكيره، وشعوره، وسلوكه).

4-التنظير القرآني:

من يتدبر القرآن، ولو في بعض آياته (التدبر الموضعي) سيلمس الكنوز، بل سيجد بعض النظريات المستوحاة من الكتاب العزيز.. غير أن تلك النظريات قد لا تتكامل بمفردها، لذا نحتاج إلى المسح الشامل لآيات القرآن (التدبر الموضوعي) فحينما نبحث عن التنظير لقيمة (الحرية) مثلاً،لن يستطيع الباحث أن يصل إلى التنظير الإلهي الكامل..
لأن هناك بعض الاستثناءات التي لم تُأخذ في الحسبان، قد تتطرق لها آيات أخرى في سورٍ مختلفة يجب رصدها واستنطاقها من أجل معرفة كامل الصورة لا جزأها..
مع الأخذ بعين الاعتبار التوافق بين القرآن والسنة،إذ أنهما لن يفترقا.. حتى يردا على الرسول صلى الله عليه وآله  الحوض يوم القيامة..
هنا خطورة عميقة حينما يقع التباس ناشئ: من عدم أدراك المعنى، أو اشتباه في الفهم، لذا يجب الاستعانة بالتفاسير اللغوية، وعدم الاقتصار على الفهم السابق أو المجرد.. فهذه ثغرة خطيرة، يجب الالتفات لها..

وقبل الشروع في البحث يجب أن نستعين بالله ونستعيذ به من الشيطان، الذي قد يتسلل لنا في أفكارنا، فيُزين لنا وحيه، ونظن أن تلك الأفكار الشيطانية، ما هي إلا رؤى وبصائر ربانية نعوذ بالله منها!.