العالم بين العلم والفلسفة باكورة إصدارات الأستاذ جاسم العلوي
عن المركز الثقافي العربي في المغرب- لبنان، صدر هذا العام 1426هـ الموافق 2005م، كتاب جديد بعنوان: (العالم بين العلم والفلسفة)، وهو الكتاب الأول الذي اشتغل على إعداده الكاتب السعودي الأستاذ جاسم حسن العلوي، وقد جاء هذا الإصدار في (190) صفحة من القطع الكبير، وهو بمثابة دراسة مقارنة لمفهوم: المادة، الزمان، الواقعية والسببية في ضوء الرؤية العلمية التجريبية والرؤية الفلسفية العقلية في محاولة لتأصيل الرؤية التكاملية بين العلوم والفلسفة.
وهدف المؤلف من كتابه أن يبيِّن أن العلم بمنهجه التجريبي الاستقرائي يتكامل مع الفلسفة بمنهجها العقلي الاستنباطي، فكلاهما يضع حجراً في البناء الذي يعكس شكله ومحتواه الصورة الكلية المتناسقة للعالم. لا أحد يستطيع أن ينفي على نحو المطلق أن كل هذه الحقائق التي تتناولها العلوم التجريبية ليس وراءها في مرحلة تتجاوز الحس حقائق أعمق منها وتتكامل معها. إن أقصى ما يخالط الفكر العلمي التجريبي هو الشك في وجود عالم مجرد يزخر بالحقائق المجردة أما النفي المطلق لهذا العالم وحقائقه المجردة التي تقف وراء ما نشاهده من ظواهر فهو غير ممكن، ذلك لأن النشاط العلمي التجريبي يقتصر على شؤون وأعراض المادة نفياً وإثباتاً. وأما إثبات الجوهر المادي وراء الظواهر الطبيعية فهو من حق العقل الفلسفي، فبعد أن يثبت الفيلسوف وجود الجوهر المادي خارج الذهن يأتي دور العلوم لكي تبحث عن أسرار الطبيعة وأعراض المادة، ولا يحق للعالم الطبيعي أن يمارس المنهج العلمي ذاته في نفي أو إثبات الوجود اللامادي.
ويذهب العلوي إلى أن القرآن الكريم يؤكد للإنسان أن لا سبيل لنفي الوجود الإلهي على نحو اليقين، إذ أن الملحد يختزن في داخله الشك في وجود الله والعالم المجرد ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾؟ فليس هناك نفي يرتقي إلى اليقين. ويصف القرآن حال المنكرين لآياته فيقول ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ﴾، فلم يكونوا ليتحركوا تجاه قضية الغيب الحركة المطمئنة الثابتة التي تعي كل ما في الطرق من أخطار ومفاجآت بل كانوا يختزنون في داخلهم صراع الشك حول المصير الذي سيؤول إله كل واحد منهم عندما يطوي الطريق الذي يمثل مقدار حياته في عالم الطبيعة. إذن -حسب المؤلف- لا يملك هؤلاء اليقين في قضايا الغيب والعالم الآخر.
كما أن القرآن في موضع آخر يؤكد على أن هؤلاء الذين سجنوا أنفسهم برباط الطبيعة والهوى وصنعوا آلهة لا تعترض ورغباتهم ولا تتدخل في شؤون حياتهم ليس لديهم البرهان القاطع على نفي العالم الآخر فيقول سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ﴾.
وما دامت العلوم بمنهجها التجريبي غير قادرة على نفي أو إثبات مثل هذه الحقائق المجردة فإن الفلسفة بمنهجها العقلي تعتبر الامتداد المكمل للعلوم لأنها تستطيع أن تبرهم على وجود واقعية مجردة في العمق تصنع عالمنا المادي وظواهره. فإذا كان العالم له ظاهر مشهود ينال بالحس وباطن مستور ينال بالعقل فإن الصورة الكلية لعالم تتطلب دورهما معاً. إذن العلوم الحسية تعبّر عن مرحلة أولى في الإطار الطبيعي من المعرفة نتمكن من خلالها من فهم الظاهر الحسي لهذا العالم ثم تأتي الفلسفة لتعبّر عن مرحلة ثانية من المعرفة تعكس البعد الأعمق والخلفية التي تستند إليها المعرفة الطبيعية فنتمكن على ضوء المرحلة الثانية من فهم الباطن الذي يختفي وراء هذا الظاهر المحسوس.
جدير بالذكر أن فصول الكتاب، توزعت على النحو الآتي:
- الفصل الأول: المنهج العلمي والمنهج الفلسفي.
- الفصل الثاني: المادة العلمية والمادة الفلسفية.
- الفصل الثالث: الزمن علمياً وفلسفياً.
- الفصل الرابع: فيزياء الكونتا (التطور التاريخي للنظرية).
- الفصل الخامس: أزمة الواقعية في الفيزياء الكوانتية: قراءة في الجدل الأنطلولوجي العلمي الفلسفي بين مدرسة كوبنهاغن والمدرسة العقلية.
- الفصل السادس: أزمة الحتمية العلمية في الفيزياء الكونتية.
بقي أن نشير إلى أن هذا الكتاب فريد في موضوعه وعلميته، على مستوى الإصدارات التي تدفعها النخب المثقفة في السعودية! وهو يعطي دلالة لقارئه على أن الباحث بذل: جهداً معرفياً كبيراً ومتميزاً، كما أنه يبشر بمستقبل واعد ومرموق للأستاذ العلوي في عالم المؤلفين.