بسمة دامعة (قصة)
(لن أترك أحداً ينام على سريركِ، ولن أسمح لأحدٍ بأن يضع ملابسهُ في خزانتكِ)...
قالها لي والدمعة الواجمة تتوسل الخروج من قضبان عينيه..
ونبرته المنكسرة حزنٌ عميقٌ يعشعش داخله، أحسست وكأن روحه المرحة قد سلبت منه، احتضنته عيناي بقوة، قمتُ من سريري وأمسكته من يده متجهة به إلى حديقة المنزل، خطوتُ معه خطواتٍ جميلة، تذكرت بها خطواتٍ خطاها نحوي، كيف كان يسقطُ ثم يقوم ليكمل خطواته لي، يفتحُ ذراعيه ويرفعُ نفسه راجياً مني حمله، كانت تلك سنينهُ الأولى.. سنينٌ لا تنسى، ابتسمت قليلاً حينما تذكرتُ غيرة أمي عندما يؤثرني عليها بشيئٍ ما، فقد كان يترك الجميع ويجلس بجانبي ويأكل مابتاعه لنفسه معي، حتى إن لم أكن موجودة.. خبأه لي أو وضعه فوق سريري يترقبني متى أعود...
يمسكُ يدي ويطلب مني إغماض عيني، ويأخذني إلى غرفتي ويوقفني عند سريري، ثم يطلب مني فتح عيني لأرى المفاجئة التي حضرها لي، عندها تقول أمي: لقد أزعجني بسؤاله عن الساعة وأصدع رأسي بسؤاله عنكِ (أمي.. أمي.. لقد تأخرت فاطمة، لماذا لم تأتي حتى الآن؟، متى سوف تأتي؟....)
ثم وجهت كلامِها له بنبرة غاضبة: (تحبها وكل شيءٍ تقدمهُ لها، أتحبك هي؟! ألا تسمعُها تنهرك وتزجرك عندما تعبثُ بأغراضها؟)
كان ذلك قلبه السموح، قلبٌ طاهرٌ صافي كصفاء الماء، كان يطرز طيبته وحنانه بعطفه علي ورقة تعامله معي، لن أنسى حبه لي ماحييت..
قطع حبل تفكيري بنبرةٍ حزينة ممزوجة بدموع مخبأة: (أختاه.. أنا لا أريد أن يأخذك أحدا مني.. فلماذا أخذك عليٌ).
طعن قلبي بكلماته، تسللت دموعي الملتهبة على وجنتي، الدموع التي حاولت جاهدة إطفائها ولكنني لم أستطع، بحثت مسرعة عن جوابٍ لسؤاله، أردت أن أقول له ما يفهمه ويتناسب مع صِغَرِ سنه، فلم أحصل على جوابٍ في تلك اللحظة غير قولي له: بإن الله أمره أن يفعل ذلك.
كانت سهامه الصامتة.. تعليقه البليغ على ما قلت، نظر فجأة إلى السماء، لا أدري لماذا؟!
فالحزن كان مخيماً على وجههِ، تمزق قلبي لرؤياه، أردتُ تغيير الموضوع لأنتزاعِ حزنه، تذكرتُ حينها حبه للعد، فقلت له: إذا استطعت عد هذه النجوم سأعطيك ريالاً؟!
أشرقت البسمةُ على وجهه وقال: نعم أستطيع.
وبدأ بالعد، فقطع عدهُ قائلاً: وإذا عديتُ النجوم التي في خارج منزلنا أتعطيني ريالين؟!!