مفارقات..!!
لكل إنسان منا قصة تحكيها أفكاره وفي داخل كل نفس نكهة خاصة وله إطلالة تميزه عن غيره يتعاهدها لكي لا تموت.. ولا يكاد أحد منّا يخلو من فلسفة خاصة به أو ممارسات في الحياة تترجم جملة من أفكاره ومشاعره.. فيما يحب ويكره أو يقرأ ويكتب.. وجملة من أسلوب حياته كما تحكي عن طباع ومبادئ وتعاملات له مع الآخرين.
ونحن كبشر تتعدد فينا هذه الطباع وتتلون بألوان من القناعات والرؤى التي نعتقدها والتي تصقلها غالباً تجاربنا وتثريها خبراتنا المتعددة.. ومع هذا الطرح المتعدد في حياة الناس نلمس من خلاله عدة مفاهيم كالشقاء، والسعادة والحدة،الاعتدال، التفاؤل والتشاؤم، الرضا والغضب.. وإذا ما قفزنا فوقها وتخطيناها بصورة سريعة نجدها تتمثل في صفتين متناقضتين كل منهما تحوي كماً مغايراً ومختلفاً عن الأخرى.. وفي الغالب تترجمان حياة مجمل الناس.. مفهوم السعادة والشقاء كقضية أزلية لبحث الإنسان المتواصل شغلته منذ بدء الخليقة في بحثه عن السعادة ونبذه للشقاء.. ولكل منهما نظرية خاصة وفلسفة تفندها ضد نظيرتها..
ولظروف معينة وملابسات يميل الإنسان إلى لتصور الشقاء في حياته، فنجده يقنع نفسه بأنه يعيش إحدى فصول المآسي.. لذلك يفر من الشقاء الذي يعتقده باحثاً عن السعادة التي ربما لا يجدها لأنها لا توجد إلا في تصوره.. أو لأنها قد ضاعت منه في طريق البحث غير المستقر، رغم أنه في أغلب الأحايين قد يعيش ظروف مثيلة ومشابهة للتي يعيشها إنسان آخر.. وبنفس الميزات لكن بفارق كبير بينه وبين غيره هو في رؤيته لحياته من جانب واحد فقط هو الجانب المظلم.
من أجمل ما قرأت عن تصوير هذا المعنى قصة شيقة تحكي: أن دلوين كانا مربوطين بحبل ومعلقين على بكرة فوق بئر.. ينزل أحدهما فارغاً وهو يتراقص كأنه يضحك متفائلاً.. ويصعد الآخر ممتلئاً يفيض منه الماء كأنه يبكي.. والتقى الدلوان في منتصف الطريق.. فسأل الدلو الراقص زميله الباكي: لماذا تبكي؟
فأجابه: وكيف لا أبكي وأنا أحمل الماء الثقيل بصعوبة وأصعد إلى أعلى فيعيدني صاحبي إلى ظلام البئر من جديد!!، ثم سأل الدلو الباكي زميله: وأنت.. لماذا تتراقص؟
فأجابه: وكيف لا أتراقص وأنا أنزل إلى قاع البئر فامتلئ بالماء العذب الصافي وأصعد إلى أعلى فأستمتع بالضوء والشمس من جديد!!.
نعم.. فكل واحد منا يشكل مثالاً لأحد هذين الدلوين.. لقد قيل أن بداخل كل إنسان دنيا أكبر من الدنيا وأروع لكنه لا يعرف.. أو قد لا يريد أن يعرف لأنه لم يتعود أن يحول الجانب المظلم من حياته إلى جانب مضيء يستمتع به ويقارن بين ما وهبه إياه الله من نعم وبين ما حُرم غيره فعلياً منها..
فإذا كنا نحن لا نستطيع أن نتجاهل الأحزان من حياتنا فعلى الأقل يمكننا التخفيف منها بتقليصها والتشاغل عنها ومزاولة أنشطة أخرى قد تصرف أذهاننا عنها بالتالي إلى أن تزول من نفسها أو تقلل من حدتها علينا وعلى نفوسنا.. ربما لو فعلنا لتغيرت في داخلنا الكثير من موازين الحياة.