وقائع الندوة الحوارية لمنتدى الفرات الاستراتيجي حول كتابة الدستور العراقي الدائم

شبكة مزن الثقافية

أقام مركز الفرات للتنمية والدراسات الأستراتيجية الندوة الثانية من منتدى الفرات الإستراتيجي التي كانت بعنوان ( دور الجمعية الوطنية في كتابة الدستور  ) وقد حضرها جمع من الأساتذة المختصين في القانون والعلوم السياسية وعلم الاجتماع, ولقد أفاض الحضور بمجموعة من الآراء , إرتاينا طرحها على شكل أسئلة كي تكون الإجابة دقيقة وواضحة.


في ظل الديمقراطية لم يعد الدستور مجرد منحة يتفضل بها الحاكم أو عقد طرفاه الحاكم والمحكوم , بل لايعدو أن يكون تفويضا ً من الشعب باعتباره صاحب السلطة الأصيل لجانب من هذه السلطة إلى فئة مختارة , وهو بهذه المثابة يمثل جانبي السلطة والحرية . لكن مضمون الدستور لم يقف عند هذا الحد , بل تعداه  ليشمل وضع الآلية المناسبة لتوزيع تلك السلطة والضمانات التي تحمي الحرية , وهو بهذا الجانب أو ذاك يترجم أفكارا وآيدولوجيات معينة تشكل بمجموعها روح الدستور أو ما يسمى الفكرة الدستورية  السائدة .


لذلك فأن الحديث عن الدستور يثير تساؤلات عدة أهمها ما يتعلق بالسلطة  التي سوف تضطلع بمهمة وضعه.
لذلك فقد خصصنا هذه الندوة للوقوف على دور الجمعية الوطنية في كتابة الدستور , وذلك من خلال الإجابة على الأسئلة الآتية:
تسَاءل د.كريم مزعل عميد كلية القانون _ جامعة كربلاء حول مدى إلزامية  قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية للجمعية الوطنية ؟


وأجاب الأستاذ عامر زغيرالكعبي رئيس القسم القانوني في مركز الفرات على هذا التساؤل أنه يفهم من هذا التساؤل هو مدى إلزامية تلك النصوص التي تقيد عمل الجمعية الوطنية فيما يتعلق بوضع الدستور , لذلك فأننا نقول انه من حيث المبدأ فأن الجمعية تمثل السلطة التأسيسية لوضع الدستور وهذه الأخيرة بما إنها تضع الدستور وهو أعلى قاعدة قانونية تحكم البلاد فأنها لا سلطان عليها غير إرادة الشعب ومن ثم لا يجوز أن تقيد بأي قيد فهي صاحبة الكلمة العليا في نصوص الدستور وما يتضمنه من أفكار .


لكن هذا المبدأ ليس مطلقا إذ يجوز استثناءً أن قيد السلطة التأسيسية ببعض القيود إذا كانت تمثل تعبيرا عن إرادة الشعب أو تمثل ضمانا لهم ولا خوف من هذا الاستثناء  طالما إن إقرار الدستور يتوقف على موافقة الشعب ولقد أخذت فرنسا بهذا الاستثناء عند وضع دستورها في عام 1946 حيث قيدت الجمعية بقيود أهمها إقرار مبدأ الفصل بين السلطات وتنظيم العلاقة مع المستعمرات .


ما هي أهم القيود التي قد تعرقل عمل الجمعية الوطنية ؟


يرى الأستاذ عدنان الشروفي إن أهم القيود التي قد تعرقل عمل الجمعية الوطنية هي الفقرة(ج)من المادة الحادية والستون من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية التي تشترط لإمضاء الدستور أن لا يعترض عليه ثلثا ثلاث محافظات , بل إن هذه الفقرة قد تطيح بالجمعية الوطنية وتحلها إذا لم يتحقق شرط الثلاث محافظات وبذلك يدخل العراق في دوامة سياسية لانهاية لها . لذلك لابد من تعديل هذه الفقرة بالشكل الذي يخرج الجمعية من هذا المأزق .


وقد رأى كل من الأستاذ خالد عليوي العرداوي أستاذ مادة النظم السياسية في كلية القانون انه يجب أن لا ننظر بحساسية مفرطة لهذه الفقرة بل يجب أن ننظر لها نظرة ايجابية كونها تحقق ضمانا لكل أفراد الشعب العراقي ذو الأطياف المتنوعة وان المشكلة الحقيقية لا تكمن في نص المادة او بالشعب وإنما المشكلة قد تفتعل بشكل مبالغ فيه من النخب السياسية المهيمنة على الساحة العراقية في هذا الوقت لذ يجب على هذه النخب ان تكون بمستوى استحقاقات هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها البلد.وقد بين الأستاذ إبراهيم الزبيدي إننا يمكننا إتباع احد طريقين لحل هذا الإشكال هما:


1. إتباع الطريق القانوني المحدد في قانون إدارة الدولة الذي يشترط لتعديل  الدستور موافقة ثلاثة أرباع أعضاء الجمعية وإجماع هيئة الرئاسة , إلا إن هذا الحل شبه مستحيل في ظل غياب الثقة بين النخب السياسية.
2. الطريق السياسي: يرى إتباع هذا الحل إن هيئة الناخبين التي تتحصن ورائها الكتل البرلمانية تستطيع أن تضغط على نوابها لغرض إيجاد حل أكثر ديمقراطية , وليكن مثلا ان الاستفتاء يكون ناجحا إذا وافقت عليه ثلاثة أرباع الشعب العراقي.


في حين يرى د.عبد علي سوادي رئيس قسم القانون الخاص في كلية القانون- جامعة كربلاء وأيده في ذلك الأستاذ سليم فرحان أستاذ مادة حقوق الانسان في كلية القانون أننا إذا فشلنا في تعديل الفقرة (ج) من المادة الحادية والستون فأننا نستطيع تجنب الاصطدام بها من خلال إفراغها من محتواها وذلك بوضع دستور توافقي يراعي جميع مكونات الشعب العراقي .


ورأى الأستاذ عدنان الشروفي معاون العميد في كلية القانون إننا نستطيع تجنب الفقرة المذكورة وذلك إذا جعلنا الاستفتاء يكون على نصوص الدستور كلاً على حدة وليس على نصوص الدستور إجمالا بنعم أو لا , وبذلك نستطيع أن نشخص نص المادة الذي لا يحظى برضى الأفراد ومن ثم نعدله بالكيفية التي تضمن الموافقة عليها وبذلك نكون قد تجنبنا فشل الاستفتاء وأبعدنا شبح الحل عن الجمعية الوطنية .


هل سوف تنجح الجمعية الوطنية في كتابة الدستور ؟

يكاد يُجمع الأساتذة الحاضرون إن التحديات التي تواجه الجمعية ليست بالهينة لكنها تستطيع تذليلها إذا أخذت بالتوصيات الآتية :
1. إن الجمعية الوطنية مقيدة بقيد زمني يجب أن تضع الدستور خلاله لذلك يجب اختصار الوقت من خلال اجتماع رؤساء الكتل البرلمانية لغرض الاتفاق على الثوابت والأفكار التي سيبنى عليها الدستور.
2. تشكيل لجنة تضم أعضاء مختصين من داخل وخارج الجمعية الوطنية مهمتها صياغة الدستور.
3. الاستفادة من خبرة الأمم المتحدة والدول المتقدمة في هذا المجال .
4. تحلي أعضاء الجمعية الوطنية  بروح المواطنة, وعلى النائب أن يتذكر دائما انه يمثل الشعب العراقي بأسره لا فئة أو طائفة معينة .


 هل نحن بحاجة إلى استفتاء على الدستور ؟

يرى الأستاذ سليم فرحان والأستاذ حسن محمد كاظم إن الطرق الديمقراطية لوضع الدستور اثنان , هما طريقة الجمعية التأسيسية حيث يكون الدستور نافذا بمجرد انتهاء الجمعية من وضعه, وطريقة الاستفتاء التي يكون الدستور فيها نافذاً بعد موافقة  الشعب عليه بغض النظر عمن وضعه ,لكن يلاحظ إن قانون إدارة الدولة قد جمع بين الطريقتين بشكل لا داعي له سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار انخفاض الوعي السياسي لدى المقترع العراقي.


في حين رد الأستاذ عامر زغير الكعبي انه صحيحٌ القول إن كلا من طريقة الجمعية التأسيسية وطريقة الاستفتاء يتناغمان مع الفكرة الديمقراطية, إلا أن لكل منهما عيوبا تجعل الأخذ بأحدهما دون الآخر يشكل خطرا على مسيرة الشعب بأكمله, إذ انه وفقاً لطريقة الجمعية التأسيسية يكون الدستور نافذاً بمجرد وضعه من قبل الجمعية, وهنا تكمن الخطورة , فما الذي يضمن إن الجمعية سوف تضع دستورا يتوافق وآراء الشعب ؟ أما طريقة الاستفتاء فخطورتها تتركزعند الدول الحديثة العهد بالتجربة الديمقراطية حيث يكون الشعب بأغلبه منقاداً لجهات معينة , لذلك فان نتائج الاستفتاء في مثل هذه الدول قد لا تعكس مصلحة الشعب,لذلك إذا أردنا أن نتلافى هذه العيوب فالأفضل الجمع بين طريقتي الجمعية التأسيسية والاستفتاء . فلا إشكال في أن يعرض الدستور على الشعب مرتين: الأولى من خلال نوابه والثانية من خلاله مباشرةً , وهو عينه ما أفتت به حوزتنا الحكيمة .