فجوات الفجيعة

شبكة مزن الثقافية محمد حسن يوسف
فجوات الفجيعة
فجوات الفجيعة

في شهر محرم من كل عام يتكاثر الجدال حول صحة بعض مايروى على منبر الإمام الحسين عليه السلام ويكثر اللغط وتراشق الاتهامات والتفسيق والتبديع والتجهيل طبقا للتوجه والانتماء. أسأل الله لنا ولكم السلامة.

لا أريد المناقشة في أي مما يثار الجدال حوله فلست مؤهلا لذلك وإلمامي التاريخي حول ملحمة كربلاء لا يتعدى ما يطرح على المنابر ولكن ما أعلمه هو حقيقة وجود روايات قصصية لا تصمد أمام البحث التاريخي ومع ذلك تبدو من المسلمات التي لا مجال للنقاش فيها. 

يقول أحد الخطباء من رجال الدين الباحثين ( الثابت لدينا هو أن الإمام الحسين عليه السلام وسبعة عشر من أهل بيته وكافة أصحابه استشهدوا في كربلاء يوم العاشر من المحرم سنة ٦١ وما عدا ذلك يحتاج إلى بحث ).

صدى الفجيعة الكربلائية كان أكبر من أن يستوعب ويختصر في مقتل رجل وأهل بيته وأنصاره ظلما من قبل طاغية، فهكذا إبادات هي ديدن الطغاة على مر العصور، لكن أن يوصف الحسين عليه السلام  ومن قتل معه ب" لايوجد لهم على الأرض مثيل" فهذا ما جعل منها معادلة مختلفة تتعدى البعد المادي والعددي للفاجعة وتتمحور حول شخصيات لم يورد التاريخ المكتوب عنهم سوى بضع كلمات من أمثال "وجهه كفلقة قمر" و " له ذؤابتان" و " شغلني جماله عن التفكير في قتله" و" لهم دوي كدوي النحل" و على ذلك فقس من صفات جميلة خلقية وخلقية لكنها لاترسم الصورة الكاملة لهذه الثلة المؤمنة.

زيادة على أن تدوين التاريخ جاء متأخرا كانت محاربة الخط العلوي هي السائدة لمدة تقارب القرن من الزمان بعد فاجعة كربلاء، فضاع الكثير مما يروى عنها وبقي اليسير الذي يؤكد وقوعها. وبعد تدوين التاريخ، تقريبا لم تكن هناك سوى رواية واحدة عنت بشيء من تفاصيل الفاجعة وهي الرواية المشهورة ليحيى بن لوط المكنى بأبي مخنف التي اعتمدها الطبري في تاريخه وهذه الرواية أخذها أبومخنف من مصدر واحد تقريبا وهو حميد بن مسلم الذي كان أصلا في جيش ابن سعد حتى وإن قيل أنه لم يقاتل، هذه الرواية لا تحمل إلا شيئا مما جرى في ساحة المعركة فقط ولم تورد شيئا مما جرى في معسكر الحسين عليه السلام لقصور البلوغ لدى الراوي.

ظل إحياء ذكرى عاشوراء مقتصرا على الأئمة ومن يحف حولهم وذلك في إظهار الحزن والتحدث فيما جرى وقراءة القصائد الرثائية وأكثر مابرز ذلك في عهدي الصادق والرضا عليهما السلام، ثم في وقت الانفتاح الشيعي وبالخصوص في عهد البويهيين تبلورت بعض مظاهر الحزن العامة مثل تعطيل الاكتساب وإقفال الحوانيت و خروج المسيرات و الاكتساء بالسواد، إلى أن طغت الثقافة الإخبارية على الواقع الشيعي في القرن العاشر الهجري وما بعده فصارت قراءة المقتل جزء لا يتجزأ من إحياء ذكرى عاشوراء.

اعتمد كتاب المقتل على مصادر منها رواية يحيى بن لوط وكتاب مقاتل الطالبيين وبعض الرواة بعضهم معلوم والآخر مجهول وبعض ماروي عن الأئمة وكذلك على الشعر الرثائي منه وما قيل أنه ارتجز به في الحرب، فتكونت صورة هي أقرب للمتوقع على مبدأ أوكام أو ربما أقرب للذوق الشيعي في ذلك الوقت.

الرواية القصصية ليست رواية تاريخية يمكن الاستدلال بها وكذلك ليست من الافتراءات والمكذوبات التي يجب الابتعاد عنها ومحاربتها بل هي نتاج جهد لرسم صورة واضحة عن الملحمة وتأطيرها بالإطارين النفسي والعاطفي اللازمين للتفاعل السليم مع أمر به أهل البيت عليهم السلام من إحياء ذكر شهادة الحسين وأصحابه عليهم السلام.

     
             10/5/2025