ومضات قرآنية (7)

﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾
يؤثر اللاوعي الجمعي على الفرد الجاهل ويحوله من إنسان له كينونته إلى مجرد رأس من القطيع يفعل مايفعله الآخرون المحيطون به دون أدنى تساؤل إن كان صائبا أم خاطئا كما في وصف أمير المؤمنين عليه السلام (وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ اَلْعِلْمِ وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ).
تظهر الآية الكريمة التي تصف قوم لوط عليه السلام رذيلتين أخريين تضافان على رذائلهم الكبرى، أولهما عدم تقبل وجود المغاير في داخل المجتمع (أخرجوهم من قريتكم) والأخرى انقلاب المفاهيم بحيث أصبح المنكر معروفا والمعروف منكرا (إنهم أناس يتطهرون).
الجاهلية الحديثة المعولمة في عصرنا لا تختلف كثيرا عن جاهلية الأمم السابقة حتى مع تراكم حملة الشهادات الأكاديمية بعضهم فوق بعض، فلا يزال (الملأ) يتحكمون في رأي الرعاع ولكنهم تحولوا من بطانة فرعون وأمثاله إلى وسائل إعلام وشبكات تواصل تشكل اللاوعي المجتمعي فيصطبغ العالم بصبغة واحدة ويعزف نفس النغمة حتى وإن كانت نشازا. وجود الآخر المغاير في أغلب الأحيان صحي ويساهم في الحراك الفكري والثقافي والديني مما يؤصل الأسس ويعيد تقييم الواقع ويثري المجتمع، أما ثقافة الإقصاء فإنها تعطل العقل وتجمد الفكر وتؤدي إلى نرجسية سارية بروح فرعونية.
(اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَسَدِّدْنِي لأَنْ أُعَارِضَ مَنْ غَشَّنِي بِالنُّصْحِ، وَأَجْزِيَ مَنْ هَجَرَنِي بِالْبِرِّ، وَأُثِيبَ مَنْ حَرَمَنِي بِالْبَذْلِ، وَأُكَافِيَ مَنْ قَطَعَنِي بِالصِّلَةِ، وَأُخَالِفَ مَنِ اغْتَابَنِي إِلَى حُسْنِ الذِّكْرِ، وَأَنْ أَشْكُرَ الْحَسَنَةَ، وَأُغْضِيَ عَنِ السَّيِّئَةِ)
محمد حسن يوسف
٧ رمضان ١٤٤٦