ومضات قرآنية (4)

شبكة مزن الثقافية

﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً

لنا -نحن معظم البشر- في الغالب واقعان متباينان واقع ظاهري يراه الآخرون وواقع باطني نعيشه مع أنفسنا، و يغلب أيضا أن يكون الظاهر أحسن من الباطن إلا مارحم ربي، وكلما ازدادت حدة التباين بين الواقعين ترسخ الاضطراب النفسي بسبب الازدواجية المعاشة وأصبح الشعور بالانحطاط والدونية يعصف بالهيكل السيكولوجي، ويلجأ المصاب بهذا العصاب إلى طرق مختلفة لتقليل حدة هذا الاضطراب. أما الذين يعيشون واقعا حسنا واحدا في الحالتين الظاهرية والباطنية فإن الاستقرار النفسي هو سيد موقفهم وكذلك الذين يعيشون باطنا أزهى من الظاهر كما في حال مؤمن آل فرعون وأبي طالب سلام الله عليه.

الآية الكريمة أعلاه تصف الحال النفسي للمنافقين وكيف أن شعورهم بالخزي يدفعهم إلى تمني انحطاط الآخرين إلى مستواهم الكفري لعلهم يتخلصون من عقدة الحقارة. الآية الكريمة تبين حالة شائعة حتى وإن كان موضوعها ظاهرا يختص بمنافقي ذلك الزمان، الشعور بالغربة والوحشة لدى مرتكبي السلوكيات الخاطئة والأعمال المحرمة في المجتمعات المحافظة يدفعهم إلى هذا التمني أو ربما أبعد من ذلك حيث قد يوسوسون سرا أو جهرا لإغواء الآخرين لكي لايشعروا بأنهم وحيدون في ذلك المستنقع. يستطيع هؤلاء أن يغيروا من أنفسهم ويتوبوا ويقلعوا ولكنهم يفضلون انحطاط الآخرين على ارتقائهم.

أعاذنا الله وإياكم من شرور أنفسنا.

(اللَّهُمَّ لا تَدَعْ خَصْلَةً تُعَابُ مِنِّي إِلاَّ أَصْلَحْتَهَا، وَلا عَائِبَةً أُوَنَّبُ بِهَا إِلاَّ حَسَّنْتَهَا، وَلا أُكْرُومَةً فِيَّ نَاقِصَةً إِلاَّ أَتْمَمْتَهَا) 

محمد حسن يوسف
٤ رمضان ١٤٤٦