الفَقِيهُ وَالأَخْلَاقُ السَّيِّدُ مُحَمَّدُ رِضَا الشِّيرَازِي نَمُوذَجًا

حديث الجمعة 26 جمادى الأولى 1446هـ .

شبكة مزن الثقافية مَسْجِدُ الزّهراءِ عليها السّلام – الديرة – سيهات
آية الله السيد محمد رضا الشيرازي ( قدس سره )
آية الله السيد محمد رضا الشيرازي ( قدس سره )

قَالَ تَعَالَى :  إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا  آية 96 سورة مريم.

  فِي هذا اليوم تصادفُ الذِّكرَى السّابعةَ عشرةَ لرحيلِ آيةِ اللهِ السَّيِّد مُحَمَّد رضا الشّيرازي رحمه الله.

 وكما تعلمون أن أحاديثنا في الجمعة مرتبطة ومتسلسلة في سلسلة عنوانها التّفقّه في الدّين وكان من المفترض أن يكونَ حديثنا اليوم هو الجزء الثّامن من سلسلة التّفقّه في الدّين.

 ومع هذه الذكرى آثرنا أنْ يكونَ الحديث عن السَّيِّد الرّاحل قدّس الله نفسه الزّكية كوقفة تأبينية تكون له ذكرى ولنا موعظة.

 ثمّ أرسل لي واحد من الأصدقاء تنبيهًا مفاده أنّ الحديثَ عن الراحل لا يخلو عن صلة بأحاديثنا في سلسلة التّفقّه في الدّين؛ لأنّه فقيه وعالم وصاحب أخلاق رفيعة وهناك رابط وثيق بين الفقه والأخلاق .

 شخصية الفقيه الرّاحل آية الله السَّيِّد محمّد رضا بن السّيّد محمد بن الميرزا مهدي الشّيرازي تتمتع بجاذبة قوية جعلت الكثير يحبه ممّن عرفه وممّن لا يعرفه وهو مصداق قوله تعالى : ) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا ( آية 96 سورة مريم.

 وهذا الحبّ والودّ سببه تمتع شخصية الفقيه الرّاحل بمستوى عالٍ جدًا من الأخلاق الرفيعة في الصدق والتّواضع والزّهد وحبّ العطاء والإيثار، وإنّي لا أتحدّث عنه بما نُقِلَ أو كُتِبَ بل تربطني به علاقة شخصية ورأيتُ كلّ ذلك منه عبر سنين الصّداقة التي جمعتنا.

 وأمّا العلاقة بين الفقه والأخلاق فقد وردت في الرّوايات كمفهوم نظري ولكننا رأيناها مصداقًا وتجسدًا في شخصيته رضوان الله عليه ورحمه الله.

 وإليكم بعض الرّوايات التي تربط بين شخصية الفقيه والأخلاق : 
وهي مأخوذة من الجزء السّابع من كتاب ميزان الحكمة ص 528 وما بعدها.

 عن أمير المؤمنين عليه السّلام : " الورع شيمة الفقيه ".
 عن أمير المؤمنين عليه السّلام : " إنَّ أفضلَ الفقه الورعُ في دين الله، والعملُ بطاعته، فعليك بالتّقوى في سرِّ أمرِكَ وعلانيته ".
 وفي إشارة للربط بين الزّهد والفقه يقول الإمام الصّادق عليه السّلام : " لا يكون الرّجل فقيهًا حتّى لا يبالي أيَّ ثوبيه ابْتَذَل، وبما سَدَ فورة الجوع ".

 وهنا أستذكر ويتذكر غيري ممّن جلسوا مع الفقيه الرّاحل رحمه الله على سفرة الطّعام وكان هو المضيف ونحن الضيوف وكيف كان لا يأكل إلّا القليل ويصرف كل وقته على السّفرة على الاهتمام بضيوفه وتقريب الطّعام لهم وتقديم الأطباق لهم وكان لا يقبل أنْ يأكل حتّى يجلس مع الضيوف الخادم الذي كان يجهز السفرة ويأتي بالطّعام، فقد كان يطلب منه بعد انتهاء تجهيز السّفر وجلب الطّعام أنْ يجلسَ مع الضيوف ويأكل معهم.

    هذا الخلق العظيم في الزّهد وفي التّواضع وفي محبّة الآخرين كلّه شاهدته ورأيته بنفسي عندما اجتمعنا على سفرة ضيافته عدّة مرّات في الكويت .

 عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام، قال : " رفع إلى رسول الله  صلّى الله عليه وآله قومٌ في بعض غزواته، فقال: من القوم؟ قالوا: مؤمنون يا رسول الله، قال: وما بلغ من إيمانكم؟ قالوا: الصّبر عند البلاءِ، والشّكر عند الرّخاء، والرّضا بالقضاء، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله  :حلماءُ علماء كادوا من الفقه أن يكونوا أنبياء. "

 وقال صلّى الله عليه وآله : " ألاّ أنبؤكم بالفقيه كُلّ الفقيه، قالوا بلى، قال صلّى الله عليه وآله : من لمْ يُقَنِّطِ النّاسَ من رحمة الله، ولم يُؤمنهم من مكر الله عزّ زجلّ، ولم يُؤيسهم من روح الله عزّ وجلّ، ولم يدعِ القرآنَ رغبةً عنه إلى ما سواه".

وقال صلّى الله علیه و آله : " لا يفقه العبدُ كُلَّ الفقه حتّى يَمْقُتَ النّاسَ في ذات الله عزّ وجلّ، وحتّى يرى للقرآن وجوهًا كثيرة ".

    وهذه الطائفة من الرّوايات الشّريفة التي تربط بين الفقه والعمل والأخلاق والورع والصّبر والزّهد رأينا آثارها وتطبيقها في شخصيّة السّيّد الجليل والعالم النّبيل الذي للأسف فقدناه وهو في كماله قال عنه بعض من عرفه : ( رحل وهو في قمة النّضج وبداية العطاء ).

   تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جنّته وحشره مع محمّدٍ وآله صلوات الله عليهم أجمعين وإلى روحه وأرواح العلماء والشهداء وموتى المؤمنين والمؤمنات الفاتحة.

 رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ 

والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ وصلّى اللهُ على سيدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطّيّبينَ الطَّاهِرينَ