الجزءُ الخَامِسُ مِنْ سِلْسِلَةِ التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ
[التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ بَيْنَ العَامِ والخَاصِ] ( 3 )
قَالَ تَعَالَى : ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) آية 122 سورة التّوبة.
موعدُنا معكُم اليوم فِي الجزءِ الخامس من أحاديث الجمعة في موضوع التّفقّه في الدّين للإجابة على السُّؤال الثّالث وهو :
ما هو المستوى المطلوب من عامّة النّاس في التّفقّه في الدّين ؟
وقبل الإجابة على هذا السؤال هناك تتمة ضرورية ومهمة بقيت في جواب السؤال الثّاني وقد غفلتُ عنها ونبَّهني لها أحدُ المشايخ الفضلاء جزاه اللهُ خيرًا فقد أرسل لي يذكرني بشمول الحوزة الدّراسية للنّساءِ وأيضا نبَّهني لوجود حوزات نسائية متخصصة في تدريس علوم الدّين والفقه وفي هذه الحوزات نساءٌ إداريات ونساءٌ مدرِّسَات ونساءٌ طالبات ولا يقصرن في مستواهنّ عما هو موجود في الحوزات الدّينية الرّجالية.
أعتذر لكم ولهن عن هذه الغفلة ولعل سببها هو انصرافُ الذّهنِ لعالم الرّجال في مجمل أحاديثنا الدّينية، وقد أشرتُ لهذا الموضوع في كلمتي البارحة (ليلة الجمعة) في حفل مولدِ السيدةِ الحوراء عقيلة الطَّالبيين الصّدّيقة الصّغرى زينب ابنة أمير المؤمنين صلوات الله عليها وعلى جدّها وأبيها وأمها وأخويها، ونباركُ لكم جميعًا رجالاً ونساءً ذكرى مولدها الشّريف في هذا اليوم الخامس من شهر جمادى الأولى .
نعودُ للإجابةِ على السّؤالِ الثَّالث لبيانِ المستوى المطلوب من عامّةِ النّاس في ( التّفقّه في الدّين ) والجواب هو :
المستوى المطلوب مِنْ عامّةِ النّاس في ( التّفقّه في الدّينِ ) ينقسم إلى نوعين:
الأوّل هو : المستوى العام : ونقصد به الثّقافة العامّة في الدّين بما يشملُ العقائد والأخلاق والآداب والأحكام العامة وفلسفة التّشريع, وأيضًا الاطّلاع والتّعرف على شيءٍ من السيرةِ والتّاريخِ خصوصًا فيما يرتبط بسيرة النّبي الأكرم صلّى اللهُ عليه وآله وسيرةِ أهلِ بيتهِ صلوات الله عليهم أجمعين.
وفي الرّوايات وَرَدَ أنَّ المعصومَ يقترحُ على الرّاوي أنْ يُعَلِّمَهُ الدِّينَ ثمَّ يقومُ بإيجازه في بضع كلماتٍ وفي مواردَ أخرى : الرّاوي هو الذي يسألُ المعصومَ عن الدّين فيقوم المعصومُ بتعريفه له وأيضًا في جواب مختصر وعبارات موجزة.
الثاني هو : المستوى الخاص وذلك بتَعَلّمِ وتَفَقُّهِ المسائلِ الشّرعيةِ الفقهيةِ التي يحتاجها المكلفُ غالبًا ، وقد عَبَّرَ عنها الفقهاء بالفتوى المجمع عليها على مرِّ العصور وهي :
[ يجبُ على المُكلَّفِ تَعَلُّمَ المسائل التي يَحْتَاجُ إليها غالباً ] وبعضهم عَبَّرَ بكلمة : (التي يبتلي بها غالبًا ).
تتمةُ الكلام في النّوع الأول : المستوى العام : الثّقافة العامّة.
وهذه الثّقافةُ العامَّةُ تَتَوَفّرُ مُتفرّقةً في المجلدات والكتب والدّروس والمحاضرات المسجدية والمنبرية ولكنَّ بعضَ المراجع حاولوا إدراجَ موجزٍ عامٍ لها كمُقدّمة للرسائلِ العملية ، ومن هؤلاء المراجع آية الله العظمى المرحوم السّيّد محمد الشّيرازي قدس الله نفسه الزّكية.
فقد جعل لرسالتهِ العملية التي يبينُ فيها الأحكامَ الفقهيةَ لمقلِّديهِ واسمها : (المسائل الإسلامية ) مقدّمةً موجزةً جميلةً ضافيةً وافيةً في الأصولِ والفروعِ والأخلاقِ والآدابِ الإسلاميةِ ، وتبعَهُ في هذا النّهج أخوهُ المكرَّمُ آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشّيرازي دام ظله الشريف. وقد جعل مُقدِّمةَ أخيه مُقدِّمةً له في رسالته العملية ( المسائل الإسلامية ) ولكنه أضاف لها بعض الزّيادات والتّوسعات المفيدةِ والنَّافعةِ.
لا يرتبط الاطلاعُ عليها بالتقليد وإني أنصحُ الجميع رجالاً ونساءً بقراءَتِها والاستفادةِ منها وإنْ لم يكن أو تكن مقلدًا للمرجعين الشيرازيين وهي محصورة بين الصّفحة 5 إلى ص 84 من مقدّمة الرّسالة العملية ( المسائل الإسلامية ) في طبعة دار العلوم ١٤٢٩ هجري ٢٠٠٨ ميلادي .
هذه المقدمة التي تتكون من ٧٩ صفحة فقط يمكن أن تسد الحاجة إلى الثقافة الدينية الفقهية من النوع الأول وهي المستوى العام ( الثقافة العامة) ويمكن أيضا تصوير هذه الصفحات فقط وفصلها عن الرسالة العملية وتقديمها للأولاد والبنات ممن هم في السن المناسب لفهم هذه الثقافة.
- ملحق تفصيلي :
والعناوين المذكورة في هذه المقدّمة التي تقدّم الثّقافة الدّينية العامّة بمستواها الأوّل مجموعة في ثلاثةِ أقسامٍ وهي :
1-(القسمُ الأوّل) أصول الدّين : وهي : التّوحيد والعدل والنّبوّة والإمامة والمعاد .
وفي بحث النّبوّة تتطرق المقدّمة لبحث جميلٍ عَنِ القرآن.
وفي بحثِ الإمامةِ تتطرّقُ المقدِّمَةُ لشيءٍ من سيرةِ المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.
2-(القسمُ الثّاني) فروعُ الدِّينِ : وفيه مباحث جميلةٌ ومتعددةٌ مثل :
المجتمع والنّظام الإسلامي . رأي الإسلام في المرأة.
الاقتصاد الإسلامي. الزّواج في نظر الإسلام.
الضمان الاجتماعي في الإسلام. السّلام في الإسلام.
الحرّية فِي الإسلامِ . الإسلام والعائلة.
القضاء والمحاماة والصّحة في الإسلام.
3-(القسمُ الثّالث) الأخلاقُ والآدابُ الإسلاميةِ ، ومِنْ عَنَاوِين هذا القسم :
دعائم الأخلاق والآداب . المحرمات.
الأخلاق والأركان الأربعة. الرّذائل الأخلاقية ومكروهاتها.
مميزات المجتمع الإسلامي. الأخلاق الفاضلة والخصال الحسنة.
الإسلام والأخلاق توأمان. صلاة الليل وفضلها.
الواجبات. من آداب الولادة.
انتهي الكلامُ عن المستوى الأوّل المطلوب مِنَّا جميعًا في التّفقُّهِ فِي الدِّينِ ويبقى الكلامُ عن المستوى الثّاني وهو: [ يجبُ عَلَى كُلِّ مكلَّف أنْ يتعلَّمَ المسائلَ التي يَحْتَاجُهَا أو يبتلي بها غالبًا ] .
ما هي هذهِ المسائلُ ؟ وبِمَ ترتبطُ ؟ وكيف نُشَخِّصُ الحاجةَ لَهَا ؟
هذا ما سيكونُ تفصيله في حديثِ الجمعةِ القادمةِ إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
رَحِمَ اللهُ مِنْ مَضَى من علماءِ الدّينِ والمراجعِ والفقهاءِ وحفظَ اللهُ الباقين ومَتَّعَنَا بطولِ بقائِهم والاستفادة من علومِهِم.
إلى أرواح علماء الدّين الماضيين وإلى أرواحِ والِدينَا ووالديكم والمؤمنين والمؤمنات رَحِمَ اللهُ من يقرأُ لهم جميعًا الفاتحة.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ وصلّى اللهُ على سيدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطّيّبينَ الطَّاهِرينَ