السيد محسن المدرسي : بعض الوصايا العامة، بعضها لكم، والأخرى عليكم..

شبكة مزن الثقافية
السّيد محسن المُدَرسي
السّيد محسن المُدَرسي

السؤال: سنبدأ عاماً دراسياً جديداً، نحتاج منكم بعض الكلمات نستفيد منها في الدراسة.

الجواب: أخي الكريم / أختي الكريمة

هناك بعض الوصايا العامة، بعضها لكم، والأخرى عليكم..

أولاً: أخلِص نيّتك لله، فالله سبحانه يهب البركة على من سار في الطريق الصحيح، مع نيِّة سليمة.. وبالنية السليمة يكون طلب العلم عبادة.


ثانياً: الدراسة لأربع سنواتٍ متواصلة، والنجاح في جميع الامتحانات، بل أن تكون الأول في تخصصك على مستوى البلد .. هذا كله لا يصنع منك بالضرورة شخصاً (مثقَّفاً)، (واعياً) قادراً على الخوض في مجالات الحياة المختلفة..

بل يجعلك شخصاً (متخصِّصا) لأداء دورٍ معيَّن في داخل المجتمع، وقد لا يجعلك ذلك! 

فالجامعات، أنشئت للتخصص، لا لصناعةِ المجتمع الواعي، فلذا قد تتخرج منها حقوقياً، وصاحبك صيدلاني. 
فادرس بجهدٍ وجد تخصُّصَك، لكن اعلم أنَّك تحتاج الى أكثر من تلك الدراسة اذا أردتَ أن تكون شخصاً صالحاً، ونافعاً، تجيد أداء جميع مسؤولياتك، وتكون مُحصَناً أمام فتن الزمان.

فعلى الجانب النظري 

* فأنت بحاجة الى معرفة دينك، بشيءٍ من العمق، أن تعرف الحلالَ من الحرام في الفقه، وتعرف عن مبادئ العقيدة، وبعض نقاشاتها، كما أن تصرف جهداً في فهم القرآن والاسترشاد ببصائره.

* وتحتاج أيضاً، إلى معرفة الواقع الذي تعيش فيه، لتتصرف بصورة سليمة، ولا تتأثر بموجاتِ التضليل، والتجهيل.. فمعرفة الزمان – يختزله البعض خطأ في السياسة- جزءٌ لا يتجزأ من حاجتك، وتزداد الحاجة اليه كل يوم. 

فما هو مقدار معرفتك بتاريخ بلادك؟ والقوى المتصارعة فيه؟ وميزانها؟ ماذا عن المنطقة؟ عن الصراع الإسلامي الغربي على ارض فلسطين؟ خلفيته؟ ... ماذا عن العالَم الذي تعيش فيه وتاريخه المعاصر؟ و..
وهذه المعرفة ضروريةٌ بدرجةٍ منها، وهي لا تأتي رخيصة.. بل تحتاج الى تراكُمٍ في المعرفة لفترةٍ طويلة.

* وتحتاج أيضاً الى الوعي بالحياة، وسننها.. تحتاج الى (الحكمة)، معرفة كيفية ادارتك لنفسك، لأمورك المالية، لعلاقاتك الاجتماعية ....

* وتحتاج ايضاً الى معرفة المبادئ العامة للعلوم، فقد تفهم عن أصول الاقتصاد رغم كونك زراعيٌ، أو تعرف عن الأدب واللغة وأنت تدرس الطب.

لكن: هل يحتاج أن انشغل بمعرفة ذلك كُلِّه؟ ومن يستطيع؟ فأين هو الوقت للدراسة؟

الجواب: ليس ذلك ما أقوله أصلا.. بل كل كلامي، أنَّك تحتاج الى كل ذلك في حياتك، ومجرد الدخول في الجامعة، وحضور المحاضرات، والنجاح في الامتحانات، لا توفِّر لك ذلك، فلا تغتر!

ثالثاً: في الجانب العلمي

اعمل بالمثل المعروف .. لا تؤجِّل عمل اليوم الى الغد.. ولا تؤجل استذكار العلم، الى ليلة الامتحان!

فكم مرَّة ذِقنا مرارة تراكم المادة، والضغط النفسي ليلة الامتحان.. فقررنا حينها أن نبدأ السنة القادمة، بدايةً جديدة، نراجع فيها المواد أولاً بأول.. ثم تذكَّرنا وعدنا لأنفسنا في ليلة الامتحان في العام الذي بعده؟! 

فالهدف من الدراسة الجامعية الحصول على التخصُّص، وهو يأتي من تراكم المعرفة، والمتابعة للمادة العلمية .. وليس الهدف من الدراسة الجامعية القدرة على تجاوز الامتحان – عبر المراجعة ليلته- ثم نسيان المعلومة العلمية.

رابعاً :تذكَّر أنَّك في الجامعة لغرض الدراسة، لا لأغراض أخرى.


خامساً: ابحث في محيطك عن الصالحين، عن الواعين، عمن ينفعك وجودك معه، لا يكون كل وقتك معه – أو معهم- لهواً أو لغواً.. 

فاذا وجدتَ في محيطك فريقين: 

فريقاً طائشاً، كل حياته هزل، بل جده هزل.. حديثه لغوٌ او لهو.. دعك ان يكون فُحشاً او سباً، او اعانةً لشيطانك على نفسك! 

وفريقاً متزنا، يحب الخير، يجد في موقع الجد، ويهزل في موقع الهزل، في احاديثه ما تنتفع في دنياكَ أو آخرتك .. يُعينك على نفسك الامارة وعلى شيطانك.
فكن من الثاني، ومع الثاني

وتذكَّر 

ان تكون مع رفقاء، خيرٌ لك من الوحدة.. والوحدة خيرٌ من جليس سوء.. وكما كان يقول احد اساتذتنا – رحمه الله- :

(الوحدة أفضل من الشِلَّة التعبانة!)

فكوّن (شِلَّة صالحة) واعمل بعد ذلك على تغيير واقعك، والتأثير الإيجابي لا التأثر.