نداء العهد

فاطمة محمد الحبيب

فِي حَضْرَةِ القُدْسِ قَصْرٌ رَوْضُهُ نَضِرُ

تُرَابُهُ المِسْكُ وَاليَاقُوْتُ والدُّرَرُ

لِلَّهِ أَنْهَارُهُ سَالَتْ مُسَبِّحَةً
كَأَنَّهَا لُؤلُؤٌ فِي الجِيْدِ يَنْتَثِرُ

وَالطَّيْرُ تَرْشِفُ مِنْ نَهْرِ الوَلَا عَسَلًا
وَمِنْ سُلَافٍ دَنَا فَاشْتَاقَهُ البَشَرُ

إِذِ الوُفُوْدُ مِنَ الأَمْلَاكِ مُقْبِلَةً
تُرِيْقُ مِنْ عَيْنِهَا نَهْرًا بِهِ ابْتَشَرُوْا

مِنْ جَوْهَرِ النُّوْرِ أَهْدَتْ حُبَّهَا حُلَلًا
وَهْوَ النِّثَارُ الذِّيْ مِنْ فَاطِمَ ادَّخَرُوا

تَسْرِيْ بِأَوْرِدَتَيْ أَضْوَاءُ بَهْجَتِهَا
وَالشِّعْرُ فِي فَيْئِهَا كَالحُبِّ يَزْدَهِرُ

عِيْدٌ.. تُصَافِحُنِيْ أَمْلَاكُهُ زُمَرًا
مِنْذُ الوِلَادَةِ فِي كَفِّيْ لَهَا أَثَرُ

جَرَى هُنَاكَ غَدِيْرُ الشَّوْقِ مُؤتَلِقًا
مِنَ السَّمَاءِ إِلَيْنَا شَاءَهُ القَدَرُ

مَا كُنْتَ تَشْهَدُهُ كَالدُّرِّ مُنْحَدِرًا
يَرْوِيْ الحَيَاةَ بِذِكْرٍ فِيْهِ مُدَّكَرُ

دُرٌّ وَيَنْثَالُ مِنْ أَنْفَاسِهِ أَرَجٌ
كُلُّ الوُجُوْدِ غَدَا مِنْ نَشْرِهِ عَطِرُ

فِي كُلِّ نَهْرٍ بَدَتْ كَالضَّوْءِ نَغْمَتُهُ
صَوْتًا مِنَ الرُّوْحِ قَدْ نَصَّتْ بِهِ سُوَرُ

هَزَّ الفَرَاغَ وَقَدْ تَاهَتْ مَجَرَّتُهُ
يُلْقِيْ البَلَاغَ وَغُصْنُ التِّيْهِ يَنْكَسِرُ

فَاليَوْمَ (بَلِّغْ) نِدَاءَ العَهْدِ مُؤْتَمَنًا
لَمَّا أَتَاكَ بِدَوْحِ النِّعْمَةِ الخَبَرُ

وَاسْكُبْ مِنَ الشَّمْسِ فِي حَرِّ الهَجِيْرِ لَهُمْ
نَصَّ الغَدِيْرِ فَقْدْ أَعْيَاهُمُ سَفَرُ

هَذَا عَلِيٌّ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ لَهُ
وِلَايَةُ الكَوْنِ وَالمِيْثَاقُ وَالظَّفَرُ

هَذَا عَلِيٌّ إِمَامُ الحَقِّ.. رَايَتُهُ
سِرُّ التَّجَلِّيْ وَمَعْنَاهُ.. وَمَا قَدَرُوْا

هَذَا عَلِيٌّ.. حَبِيْبُ اللَّهِ مِنْ أَزَلٍ
فِي العَرْشِ أَغْصَانُهُ بِالنُّوْرِ تَشْتَجِرُ

هَذَا عَلِيٌّ ضَمِيْرُ الغَيْبِ.. كَوْثَـرُهُ
فَيْضُ النَّدَى مَنْ بِهِ الأَلْطَافُ تَنْهَمِرُ

هَذَا عَلِيٌّ فَمَنْ وَالَاهُ كَانَ لَهُ
نِعْمَ النَّصِيْرُ.. وَنِعْمَ الكَهْفُ وَالوَزَرُ

فَاليَوْمَ تَمَّتْ لَنَا بِالمُرْتَضَى نِعَمٌ
وَالدِّيْنُ مِنْ فَضْلِهِ أَيَّامُهُ غُرَرُ

وَاليَوْمَ أَكْمَلَ لِلإِسْلَامِ شِرْعَتُهُ
مُذْ بَلَّ أَفْئِدَةً مِنْ كَفِّهِ مَطَرُ

إِنَّا عَلَى العَهْدِ بَايَعْنَاهُ قَائِدَنَا
مُنْذُ الغَدِيْرِ وَإِنْ خَانُوْا وَإِنْ غَدَرُوْا

فَاقْبَلْ إِنَابَةَ عَبْدٍ تَائِبٍ لَهِفٍ
عَنْ غَفْلَةِ العُمْرِ جَاءَ اليَوْمَ يَعْتَذِرُ

يَأْتِيْ وَلَحْنُ (وَمَنْ وَالَاهُ) فِي دَمِهِ
يَوْمَ القِيَامَةِ لَا خَوْفٌم وَلَا كَدَرُ

إِلَى المُؤَمَّلِ مِنْ خُمِّ الحَنِيْنِ أَلَا
مَتَى سَيَهْطُلُ فِي لَيْلَائِنَا السَّحَرُ