دراسة رائدة كشفت عن أفكار ثاقبة في الصلة بين الأمعاء والدماغ
راجعه وقدم له الدكتور عبدالله علي الراشد، استشاري باطنية وأمراض دم، المركز الطبي بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن و مجمع الدمام الطبي سابقًا
- مقدمة الدكتور عبد الله علي الراشد:
تستمر الدراسات الطبية في البحث في محور الدماغ- الأمعاء و الصلة بينهما على أن هناك رابطًا وثيقًا ثنائي الاتجاه بينهما؛ وأي خلل في هذا الرابط يؤدي إلى بروز جملة من الأعراض ظلت إلى وقت ما غير معروفة المنشأ ولذا بقيت غير معروفة العلاج. ولكن فيما بعد ومع معرفة تلازم الترابط الدماغي السلوكي النفسي بالجهاز الهضمي تم تحييد أكثر الأعراض إزعاجا وذلك بتحييد المحفزات المحتملة لها. من خلال تقييم شخصي ونفسي و سلوكي على مدى زمني متفاوت من شخص لآخر استطاعت الدراسات أن تتنبأ بوجود عوامل ربط بين الجهازين العصبي و الهضمي، و تحديدا الأمعاء حيث كل ما كانت العلاقة بالاتجاهين مستقرة ستكون النتائج الصحية جيدة بالتأكيد.
أحد طرق الحفاظ على سلامة هذا الارتباط الثنائي العصبي الهضمي (والذي إهتم به الكثير من العلماء و منهم البرفسور الياباني فوكودو شين Fuudo Shin من جامعة توهوكو اليتبانية الذي إهتم كثيرًا بدراسة محور الدماغ الجهاز الهضمي وعمل أبحاثًا كثيرة في متلازمة القولون العصبي) هو الحفاظ على الأكل الصحي والمتوازن و النوم الكافي و ممارسة الرياضة المناسبة؛ حيث تنتج الأمعاء بمساعدة مجموعة الميكروبات المعوية طيفًا متنوعًا من المواد الكيميائية المعروفة بتأثيرها في الحالة المزاجية والإدراك وكذلك في التواصل بين الأمعاء والدماغ.
وفي الواقع، تُفرز أكثر من 90% من مادة السيروتونين في الجسم - وهو ناقل عصبي مهم ومنظم للمزاج - في الأمعاء بمساعدة الميكروبات. وتتمكن مجموعة الميكروبات المعوية لدينا من خلال الإشارات المرسلة إلى الدماغ من التأثير في الأطعمة التي نرغب في تذوقها ومقدار ما نأكله.
وتشير الأبحاث إلى أنه عندما تتكاثر بكتريا مفيدة معينة في الأمعاء، فإن الدماغ ينتج المزيد من ’’هرمون السعادة‘‘ أوكسيتوسين. وبهذه الطريقة يمكن أن تؤثر مجموعة الميكروبات المعوية في عواطفنا وحساسيتنا للألم وحتى في سلوكنا الاجتماعي وهذا ما يشير إلى ترابط وثيق قي محور الدماغ الجهاز الهضمي وإلى أهمية الحفاظ عليه بصحة و سلامة .
- الدراسة المترجمة
دراسة رائدة أجراها باحثون في معهد ليوريت Laureate لأبحاث الدماغ (LIBR) - شريك في كلية أوكسلي Oxley للعلوم الصحية بجامعة تلسا Tulsa - قطعت خطوات كبيرة في فهم العلاقة بين الدماغ والأمعاء الذي كان صعبًا على الفهم ، وهي تُعد علاقة معقدة حيرت الباحثين لفترة طويلة بسبب صعوبة الوصول إلى أجزاء الجسم الداخلية.
الدراسة بعنوان ، "مؤشرات كهروفيزيولوجية(1) جدارية قذالية لتحويل حركة المثيرات الميكانيكية للأمعاء إلى اشارات عصبية في البشر ( “Parieto-occipital ERP indicators of gut mechanosensation in humans,)" في المجلة العلمية نتشر كوميونيكاشينز(2) Nature Communications.
نجح فريق البحث في استخدام كبسولة تعطي اهتزازات طفيفة باضعة لقياس الاستجابات العصبية لهيجان القناة الهضمية(3) gastrointestinal sensation، مما يوفر طريقة غير مسبوقة لدراسة هذه العلاقة المعقدة. كان ضمن المشاركين في هذه الدراسة متطوعون شباب أصحاء من الذكور والإناث تتراوح أعمارهم بين 18 و 40 عامًا. وجد الباحثون أن المتطوعين كانوا قادرين على الإحساس بالكبسولة التي تعطي اهتزازات تحت حالتين: حالة عادية ،حالة معززة. أدت حالة الاثارة المعززة إلى تحسين دقة الإحساس، واكتشاف أسرع للإثارة ، والحد من التباين في زمن ردة الفعل، مما يشير إلى إمكانية تحسين هذه الطريقة بشكل أكثر. يعد هذا إنجازًا مهمًا لأنه يوضح جدوى هذه الطريقة الجديدة لدراسة الإدراك الحسي (الإحساس) بالحدس (بالشعور الباطني).
وكشفت الدراسة أيضًا أن الاثارة باستخدام الكبسولة تسببت في استجابات عصبية متأخرة ، هذا الاكتشاف يوفر طريقة جديدة لقياس وفهم العمليات العصبية التي تحكم علاقة الأمعاء بالدماغ.
قال الدكتور صاحب خالصة Sahib Khalsa ، الطبيب النفسي وباحث في علم الأعصاب في LIBR ، وكبير مؤلفي الدراسة: "لقد تمكنا من موضعة معظم الاثارة التي سببتها الكبسولة المهتزة في الأجزاء المعدية الإثنا عشرية من القناة الهضمية باستخدام التصوير بالأشعة السينية لمنطقة البطن". "هذا الاكتشاف مهم لأنه يوفر فهمًا أكثر دقة لمصدر هذه التفاعلات بين الأمعاء والدماغ."
سيوفر هذا الاكتشاف أداة يُحتاج اليها بشكل ماس لتقييم الهيجان المعوي تحت هذه الظروف ويمكن أن يؤدي إلى استراتيجيات علاجية أكثر شخصنة وفعالية. كما أنها تفتح الباب على إمكانية التعرف على عوامل حسية أو بيولوجية للعلاج الناجع ، والتي يمكن أن تكون بمثابة علامات تنبؤية للتدخلات العلاجية في المستقبل ".