ما بعد عاشوراء... رسالة الكلمة
انتهت معركة كربلاء باستسهاد سيد الشهداء وأهل بيته الأطهار وأصحابه الأبرار، وقتل أطفاله وسبي نسائه وحرق خيامه. فكانت صورة مؤلمة..
ارتكب الأعداء أفظع الجرائم في ذلك اليوم، حيث يقول الآثاري الإنكليزي/ ستيون لويد
حدثت في واقعة كربلاء فظائع ومآسٍ صارت فيما بعد أساساً لحزن عميق في اليوم العاشر من شهر محرم من كل عام.. فلقد أحاط الأعداء في المعركة بالحسين وأتباعه، وكان بوسع الحسين أن يعود إلى المدينة لو لم يدفعه إيمانه الشديد بقضيته إلى الصمود ففي الليلة التي سبقت المعركة بلغ الأمر بأصحابه القلائل حداً مؤلماً، فأتوا بقصب وحطب إلى مكان من ورائهم فحضروه في ساعة من الليل، وجعلوه كالخندق ثم ألقوا فيه ذلك الحطب والقصب وأضرموا فيه النار لئلا يهاجموا من الخلف.. وفي صباح اليوم التالي قاد الحسين أصحابه إلى الموت، وهو يمسك بيده سيفاً وباليد الأخرى القرآن، فما كان من رجال يزيد إلا أن وقفوا بعيداً وصّوبوا نبالهم فأمطروهم بها.. فسقطوا الواحد بعد الآخر، ولم يبق غير الحسين وحده.. واشترك ثلاثة وثلاثون من رجال بني أمية بضربة سيف أو سهم في قتله ووطأ أعداؤه جسده وقطعوا رأسه..
إذا كان الفصل الأول في قضية عاشوراء بعنوان شهادة الإمام الحسين عليه السلام فإن الفصل الثاني يحمل عنوان رسالة الكلمة التي كانت بطلتها السيدة زينب والإمام السجاد و والسيدة ام كلثوم وفاطمة الصغرى.
حيث كانت لكل واحد منهم خطبة تحمل العديد من المفاهيم والمعاني.
ولنا وقفة سريعة مع خطبة السيدة زينب عليها السلام في الكوفة التي كانت خطبة لاهبة تنم عن قوة الشخصية والإرادة الحديدية التي كانت تتجلى في شخصيتها.
- كلمة الصمود
بدأ ابن زياد بمخاطبة السيدة زينب متشمتاً قائلا: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم.
ماذا تتوقع من امرأة تجاوز عمرها الخمسين عاما وقد قتل أهلها وتعرضت للضرب والسبي وتلك الصور المؤلمة؟
هنا برزت السيدة زينب مع أنها كانت تحبذ التسامي والتعالي على مخاطبة ابن زياد، إلا أن الموقف كان يتطلب منها ممارسة دورها الرسالي في الدفاع عن نهضة أخيها الحسين، لذلك بادرت إلى الرد عليه قائلة: (الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد وطهرنا من الرجس تطهيراً إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا يا ابن مرجانة..).
لقد هزت كيان ابن زياد بهذا الرد الشجاع القوي مع أنها تمر بأفظع مأساة وأسوأ حال.
هذا هو موقف الصمود الزينبي.
- كلمة الإيمان بالنتيجة
قال ابن زياد: كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟.
وَكان جوابها عليها السلام (ما رأيت إلا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلاح يومئذٍ ثكلتك أمك يا ابن مرجانة!!).
إنها كلمة الإيمان والثقة بالقضية. كلمة وعي بالمستقبل. وأن العاقبة للمتقين.
- كلمة أيقظت الضمائر
خاطبت السيدة زينب مجتمع الكوفة قائلة:
يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل والغدر !!
أتبكون ؟ فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنة.
إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم.
هي كلمات تأنيب لذلك المجتمع المتخاذل، وهي كلمة توقظ الضمائر وتحرك المشاعر وتؤسس لثقافة تحمل المسؤلية وتصحيح الخطأ الذي ارتكبه ذلك المجتمع.
هكذا هي رسالة الكلمة: رسالة تعني الاستمرارية في المسيرة الحسينية.