الحلقة التاسعة : النص الحجاجي والرد القاصف في كلمات السيد زينب ع وابن زياد ،مثالا
بعد أن انتصر جيش الضلال ظاهريا على سيد الشهداء ع وتصفيته بطريقة دموية لم يشهدها التاريخ
حاول بنو أمية بشتى عناصرهم ورتبهم الظهور بمظهر القهار المنتصر وإظهار ركب السبايا بمظهر الذليل المغلوب المنكسر عبر الحوارات الساخنة
وسنتعرف بعون الله هذا اليوم على النمط الحجاجي الذي استخدمته السيدة زينب ع لصنع هجمة مرتدة فقلبت الطاولة بالتعبير السياسي ،مما جعل ابن زياد مفحما ذليلا أمام السيدة زينب ع، فما هو هذا الأسلوب
إنه النمط الحجاجي وهو أسلوب من أساليب اللغة العربية يتم الاستعانة به من أجل الدفاع عن وجهة نظر أو فكرة ما ، أو لتفنيد ونقض آراء معينة أو الشغب على رأي معين ، وهدفه هو التأثير في المتلقي وإقناعه أو إقناع غيره بوجهة النظر الصائبة.
نقل الشيخ عباس القمي -عطر الله تربته-في كتابه (نفس المهموم ):وأدخل عيال الحُسين -عليه السلام- على ابن زياد، فدخلت زينب أخت الحُسين في جملتهم متنكرة وعليها أرذل ثيابها، فمضت حتى جلست ناحية من القصر وحفت بها إماؤها، فقال ابن زياد:من هذه التي انحازت ناحية ومعها نساؤها
فلم تجبه زينب، فأعاد ثانية وثالثة يسأل عنها، فقال له بعض إمائها: هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله، فأقبل عليها ابن زياد وقال لها:
الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم
أول عناصر الحوار الحجاجي هو القضية المدعاة
وهنا قام ابن زياد باتهام السيدة زينب وأهل بيتها الطاهرين وإلقاء فرضيات مغلوطة لخداع المجتمع :
الكذب
أن الله انتقم منهم حين فضحهم
العنصر الثاني من الحجاج هو نقض القضية المدعاة
قامت السيدة زينب 
بالرد عبر الأدلة والشواهد القرآنية التي يعرفها كل مسلم والتي هي البديل للقضية الأولى
فقالت :
الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه مُحمد 
وطهرنا من الرجس تطهيرا، وإنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا والحمد لله
ونلاحظ هنا أن السيدة زينب ردت بضمير الجمع إظهارا للقوة والعزة العلوية فقالت : أكرمنا - غيرنا
واستخدمت التجاهل للخصم ، فلم تقل يابن زياد بل قالت : وهو غيرنا تحقيرا وترفعا عن ذكر اسمه.
ردت السيدة زينب بأننا مطهرون تطهيرا مطلقا كما في الآية وهذا خلاف ونقيض ما ادعاه ابن زياد وبقوله واتهامه ،فقد كذّب القرآنَ بما ادعاه
مما يستلزم كذبه ويستلزم كفره أمام الجمهور ممن حضر في قصر إمارته
عالجت السيدة زينب بحيادية تلفت نظر المستمع حين قالت :
إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر
فعندما تطرح المقدمة والسبب فإن المستمع سيستنتج الحكم بنفسه أو ينتبه لتزييف المدعي ،وهو هنا ابن زياد اللعين
فالفاسق هو من يفتضح والفاجر هو من يكذب ، فالمشاهد سيحدد بنفسه من هو الفاسق والكاذب.
وفي قولها ع إننا يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر
قال الجرجاني: ( الفُجُور: هو هيئةٌ حاصلةٌ للنَّفس بها يُـبَاشر أمورًا على خلاف الشَّرع والمروءة )
وهنا فضحت السيدة زينب ابن زياد الذي كان فاسقا يشرب الخمر وأما الفجور فلما ارتكبه من قتل النفوس الطاهرة في كربلاء الكرامة.
التوكيدات
من أساليب الحجاج استخدام التوكيدات : كالحصر ،فالسيدة زينب عندما قالت ع:
إنما فقد أكدت ب : (إن -ما) حصرت أن الكاذب هو ابن زياد، لكن بأسلوب غير مباشر ، وهذا أقوى في الرد المباغت على الخصم.
- الجزء الثاني من الحجاج:
فقال ابن زياد: كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟
وهنا يحاول ابن زياد أن يدعي بشكل غير مباشر متهكما أن قتل الإمام الحسين 
وأهله وأصحابه كان انتقاما من الله وبفعل الله
*الاسلوب الحكيم *
إلا أن السيدة زينب تعاملت مع سؤاله بثبات ليكون السؤال نفسه مصدرا للجواب فنقلت المستمعين من فكرة القتل والانتقام التي يريدها ابن زياد - إلى ما نال الحُسين من حكم الشهادة والكرامة فقالت : كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم
وهنا إشارة للآية الشريفة ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ * وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة/ 216 .
- فجهادُ الظالمين فريضة
- والحُسين أولى بالجهاد وأول من غيّر
- فالقتل مكتوب من الله
- فهم مجاهدون في سبيله وقد استجابوا لنداء الله فنالوا الكرامة الكبرى وهي الشهادة
الرد القاصف والنهاية غير المتوقعة من امرأة مسبية مثكولة
* وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجون إليه وتختصمون عنده.*
فهناك محكمة لابد من الحضور فيها
ستسأل عن حجتك : لم قتلتم الحُسين
وسيكون هناك خصمك هو النبي وعلي وفاطمة . فكيف ستجيب
النهاية كانت غير متوقعة وهذا ما جعل ابن زياد مفحما أمام الجمهور .
في فقد نقلت الأجواء لعالم القيامة لتنغص عليه لذة النصر وينتبه الناس من مظهر النصر الزائف - تتمة الرواية- فغضب ابن زياد واستشاط
كان هذا مرورا سريعا في موضوع بلاغي منطقي ونلقاكم في حلقة قادمة بعون الله
