-منتصف القرن الرابع الهجري-
النائح "أحمد المزوِّق" باكي الحسين (ع)
اشتُهر أحمد المزوّق بأنّه أحد النادبين النائحين على مصاب الإمام الحسين عليه السلام، إلاّ أن المصادر التاريخية لم تخبرنا عن سيرته الشيء الكثير، فلا يكادُ يأتي ذكرُه إلاّ عند ذكرهم لسيرة الشاعر الناشئ الأصغر علي بن عبد الله بن وصيف المتوفى سنة 366
وذلك لأنّ المزوّق كان يتخيّر قصائد ملتاعة في نُواحِه أغلبها من شعر الناشئ الأصغر وهو شاعرٌ أوقف شعرَه في أهل البيت عليهم السلام حتى عُرف بهم، إذ كان كثير من أشعار الناشئ يُناح بها في مساجد بغداد، ينوح بها أحمد المزوّق وغيره.
ومما أوردوه في ذكر المزوِّق ما رواه الحموي في معجم الأدباء، عن الشاعر الخالع أنه قال:
(كنت مع والدي في سنة ست وأربعين وثلاثمائة وأنا صبي في مجلس الّلبوديّ في المسجد الذي بين الورّاقين والصاغة وهو غاصّ بالناس، وإذا رجل قد وافى وعليه مرقّعة وفي يده سطيحة وركوة ومعه عكاز وهو شعث، فسلم على الجماعة بصوت يرفعه ثم قال: أنا رسول فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، فقالوا: مرحبا بك وأهلا ورفعوه، فقال: أتعرفون لي أحمد المزوق النائح؟ فقالوا: ها هو جالس، فقال: رأيت مولاتنا عليها السلام في النوم فقالت لي امض إلى بغداد واطلبه وقل له نح على ابني بشعر الناشىء الذي يقول فيه:
بني أحمدٍ قلبي لكم يتقطّعُ بمثل مصابي فيكم ليس يسمعُ
عجبتُ لكم تُفنون قتلا بسيفكم ويسطو عليكم من لكم كان يخضعُ
كأنّ رسول الله أوصى بقتلكم فأجسامكم في كل أرض توزّعُ
فما بقعة في الأرض شرقا ومغربا وليس لكم فيها قتيلٌ ومصرعُ
فناح المزوِّق في مسجد ببغداد، وكان الناشىء حاضرا، فلطم لطما عظيما على وجهه وتبعه المزوق والناس كلّهم، وكان أشدّ الناس في ذلك الناشىء ثم المزوق، ثم ناحوا بهذه القصيدة في ذلك اليوم إلى أن صلّى الناس الظهر وتقوض المجلس وجهدوا بالرجل أن يقبل شيئا منهم فقال: والله لو أعطيت الدنيا ما أخذتها فإنني لا أرى أن أكون رسول مولاتي ثم آخذ عن ذلك عوضا، وانصرف ولم يقبل شيئا.)
- ما يُلاحظ :
أن المزوّق كانت له شهرةٌ في النياحة بكيفية تجعل من الحاضرين يبكون ويلطمون لطمًا عظيمًا، (ولعلّ) ذلك سبب في تسميته بالمزوّق، والتزويق هو التحسين والتزيين، فشهرته إنما هي لتزويقه كيفية الإنشاد في النياحة، ولعلّ هذه الكيفية تقرب مما يصنعه الرواديد أو النُّعاة اليوم.