الفتنة الفكرية
يعلمنا التأريخ، أن الفتن والصراعات السياسية.. يعقبها عادةً فِتَنةٌ اكثر خطراً وادوم بقاء:
"الفتنة الفكرية"
ذلك لأنَّ من يسقط في الفتنة، سيحاول أن يبرِّر افعاله ويصوِّبها، فيلجأ الى نسجِ افكارٍ وتبريرات و خلق ثقافة تتلاءم مع تلك الأفعال والمواقف. فهو حينئذ لا ينطلق من "المبادئ" للوصول الى "المواقف"، بل ينطلق من المواقف -تُقرأ: مصالح- ثم يبحث في المبادئ ما يناسبها.
وهذه الفتنة اخطر من الأولى، اذ انَّها تؤسس لتيار فكري او ديني مستقبلاً، وتضل اجيالاً متعاقبة.
فعلى سبيل المثال، نجد فتنة الخوارج، انها بدأت سياسية ثم تحولَّت فكرية. فالخوارج حين خُدعوا في صفين وافشلوا مسيرة حربٍ كاملة، انطلقوا يبحثون عن حجةٍ فوجدوها في شعار (لا حُكمَ الا الله).
ومن الواضح انَّهم اتخذوا هذا الشعار للتغطية على حماقتهم وجهلهم، ولم يهتموا بمعناه.. لأنهم لو كانوا صادقين، فلماذا لم تكتشف عقولهم العبقرية هذا المبدأ قبل صفين؟!
ولكن المشكلة أن هذا الشعار اسَّس لتيارٍ فكري متطرِّف يحارب كل صورة لنظام حكم.. حتى كان نهايتهم ان اصبحوا مجموعة من السُراق وقاطعي الطرق.
وبنفس الاتجاه، ما قام به الحسن البصري.. حين تخاذل عن نُصرة عليٍ في حرب الجمل، ولم يناصر عدوَّه ايضاً – شأنه كأي جبانٍ متخاذل- وجد ضالَّته
في الحديث عن "الفتنة" ورفع شعار (لا قتال)، حتى نعته الامام بـ"سامري هذه الأمة". ومن ثم اسَّس البصري للمنهج الصوفي المعروف الخادم للسُلطات..
واستمر ذلك المنهج ايضاً.
أقول: لابد أن نحذر، أن لا توظَّف الصراعات والفتن، في خلق افكارٍ وثقافات .. فتنتهي الفتن وتبقى تلك الثقافات الفاسدة، فتفسد اجيالاً واجيالاً من الناس.
ولنحذر أن لا نتخذ تخرّصات من ابتلي بالفِتَن، تفسيراً للدين ومَعْلَماً من معالمه، او طريقاً لفهم الثقافة الإلهية الصحيحة، بغضِّ النظر عن شخصه ومكانته.
بل نبقى دائماً نأخذ (معالم الدين) من الأصل.
فالمعيار، اولاً واخيراً .. دائماً وابداً : القرآن و سُنَّة النبي واهل بيته .. ومن ثمَّ ما يبينِّه للناس –بالاعتماد على القرآن والسُنَّة-، المؤتمنون على الدين والدنيا، وحلالِ الله وحرامه: "الفقهاءُ العدول".