سورة إبراهيم : الدرس الأول

المدرسي : دروس التفسير في القرآن الكريم

شبكة مزن الثقافية
سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي، دام ظله،
سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي، دام ظله،

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام علیکم ورحمة الله وبركاته.
نبارك لكم حلول الشهر الفضيل، شهر رمضان المبارك، سائلين المولى عز وجل أن يتقبل فيه أعمالكم ويستجيب دعواتكم، ويرفع البلاء عنكم وعن جميع المؤمنين والمؤمنات.كما في كل سنة، نضع بين يديكم دروس التفسير في القرآن الكريم التي يلقيها سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي دام ظله، في شهر رمضان المبارك.

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة إبراهيم : الدرس الأول

 

(الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)
 
في آخر جمعة من شهر شعبان المعظّم بشّر نبيّنا الأكرم صلّى الله عليه وآله الناس قائلاً: 

«إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللَّهِ بِالْبَرَكَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ الْمَغْفِرَةِ شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ وَ أَيَّامُهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ وَ لَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي وَ سَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ‏ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللَّهِ»[1]

  • و لکن ما هي ضيافة الرب الجليل للعبد الفقير في شهر رمضان؟

نجد الاجابة عن ذلك في سورة البقرة حيث يقول ربّنا تعالى:

(شَهْرُ رَمَضانَ‏ الَّذي أُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى‏ وَ الْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كانَ مَريضاً أَوْ عَلى‏ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُريدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُريدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى‏ ما هَداكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنِّي فَإِنِّي قَريبٌ‏ أُجيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجيبُوا لي‏ وَ لْيُؤْمِنُوا بي‏ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [2]

فضيافة الرب في هذا الشهر تتمثّل بالقرآن الكريم، وبالصيام فيه، والدعاء، ونحن ندخل في هذه الضيافة الربّانية نجلس على مائدة القرآن الكريم خاشعين لنتدبّر في سورة مباركة وهي سورة ابراهيم.
ابراهيم القائد القدوة

  • من هو ابراهيم ؟

 النبي ابراهيم عليه السلام قدوة التوحيد الذي كان قد هيئ جسده للاحتراق بنار نمرود، ومن كان بمفرده أمّة قانتاً لله..

ابراهيم هو من أسكن ذريته بوادٍ غير ذي زرع عند بيت الرب المحرم ليقيموا الصلاة، وكان مثالاً للتسليم والطاعة والعبودية والتذلّل، فهو يأخذ ابنه الذي انتظره سنوات عديدة معه للذبح تنفيذاً لأمر الله،  ونحن في رحاب هذه السورة المباركة نتساءل كيف يمكننا أن نسير على خطى النبي ابراهيم عليه السلام ونصطبغ بصبغة الرب؟

 يمكننا معرفة الاجابة من خلال التدبّر في هذه السورة المباركة، التي تُبيّن حقائق التوحيد، وبالرغم من أنّ محور التوحيد يتكرر في السور القرآنية الّا أنّه يُذكر كلّ مرّة من زاوية خاصة ذلك لأنّ البشر بحاجة الى التذكّر الدائم لهذه الحقيقة  كما سائر الحقائق الكبرى، من أجل الوصول الى العرفان الحقيقي لتلك الحقائق.

وحين تتجلّى تلك الحقائق في القلب يتسامى الانسان ويتكامل حتّى يصل الى تلك الدرجات الرفيعة التي وصل اليها الأنبياء العظام، والى حيث يقول ربّنا سبحانه وتعالى:

[وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذينَ أَنْعَمَ‏ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفيقاً][3]
 ولعلّ ذلك هو محور سورة ابراهيم، إنّها تخاطب البشر وتثير فطرتهم أنّهم لم يُخلقوا ليكونوا حطب جهنّم بل خلقهم الله ليكونوا في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر.

اذن السبب من البيان المتكرر لهذه الحقائق الكبرى هي أن يصل البشر الى ترميم شخصيته وايجاد تحوّل في ايمانه، ونحن في رحاب هذا الشهر الفضيل وعلى مائدة القرآن الكريم نتدبّر في آيات هذه السورة المباركة نحاول أن نوجد هذا التغيير في داخلنا لنصل الى تلك الدرجات الرفعية. 
 

[1]الأمالي( للصدوق)، النص، ص: 93
[2] سورة البقرة، الآيتان: 185-186.
[3]سورة النساء، الآية 69.