الإمام الحسين(ع) قدوة الممهدين
منذ أن صدع رسول الله بكلمته :« قولوا لا إله إلا الله تفلحوا»(*) ومسيرة التمهيد لقيام دولة العدل الإلهي قد أخذت في مسيرها، ولا تنفك تلك المسيرة عن التقدم إلى أن تصل إلى هدفها كما أخبر الله تعالى في محكم كتابه عن ذلك: (هُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ لِیُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّینِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ)(1).
والسؤال الذي يشكّل حجر الزاوية؛ أين نحن من تلك المسيرة؟، هل نحن من الفائزين بشرف الريادة؟، أو من المآزرين لها، أو لا أقل من مرتاديها، أم -والعياذ بالله- من الذين يقفون كالحجر عثرة في طريق تقدمها؟!
- رواد مسيرة التمهيد:
المؤسس للمسيرة والباعث على حركتها هو رسول الله بعد أن أتم تبليغ الرسالة بالولاية، وهذا ما تخبر به الآية التي قد ذكرناها سابقا؛ فبعد أن أخبر الله أنه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ذكر الغاية من ذلك وهي ظهوره على الدين كله على يد القائم المنتظر(عج) كما ورد ذلك عن أهل البيت في تفسير الآية(*)، فمن كان حاملا لدين الله متحملا أعباء تلك الرسالة كان مساهما في تحقيق تلك الغاية -وهي الظهور- رائدا لمسيرة التمهيد.
وينبري هنا سؤال من هو حامل الدين؟؛ فالدين لعق على الألسن، وكل يدعي وصلا بليلى، فمن هو حامل الدين واقعا بعيدا عن الإدعاء والتملق؟
لابد لحامل الدين ورائد مسيرة التمهيد من أمرين حتى يكون كذلك واقعا:
١-العلم بمشيئة الله.
٢-تحويل ذلك إلى واقع عملي مهما كلف الأمر.
هذا ما نستلهمه من المدرسة الحسينية، وتفصيل ذلك تحت العنوان التالي:
- قدوة الممهدين:
لنتأمل في كلمة الإمام الحسين حينما يقول: «شاء الله أن يراني قتيلاً ، ويرى النساء سبايا»(2)، فالمشيئة من الله عز وجل في كلمة الإمام الحسين هي مشيئة عزيمة لا حتم، فعن الإمام الرضا: «إنّ لله إرادتين ومشيئتين: إرادة حتم وإرادة عزم، ينهى وهو يشاء ويأمر وهو لا يشاء، أوَ ما رأيت أنّه نهى آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة وشاء ذلك، ولو لم يشأ أن يأكلا لما غلبت مشيئتهما مشيئة الله تعالى»(3)، فالإمام كان له الاختيار في مسيره للشهادة وليس مجبر على ذلك، فاختار ما شاءه الله له وهي الشهادة، فهي مشيئة عزم من الله ليست حتمية على الإمام.
فمن مبادئ الإمام الحسين أن لا يشاء أمرا له فيه الخيار إلا بعد أن يعلم بما يشاءه الله سبحانه ويرضاه له امتثالا لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنࣲ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۤ أَمۡرًا أَن یَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِیَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ...) (4)، فهذا ما يعرف بمبدأ التسليم الذي لا يقوم لدين الله قائمة إلا به، ومن دونه دين الرجال يتلاشى لأقل إغراء أو لأقل خوف، فعن أمير المؤمنين:« يستدل على إيمان الرجل بالتسليم ولزوم الطاعة»(*) وعنه: «لأنسبن الإسلام نسبة لا ينسبه أحد قبلي ولا ينسبه أحد بعدي إلا بمثل ذلك؛ إن الإسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو العمل والعمل هو الأداء، [والأداء هو العلم](5)»(6)، فإذن مبدأ التسليم لله سبحانه يستلزم منه العلم بما يريده الله في كل واقعة، فكيف يمكن للعبد أن يسلِّم لله سبحانه وتعالى ويعمل بموجب ما يريده الله منه في تلك الواقعة وهو لا يعلم بما يريده منه سبحانه، ولعله لما يستلزم التسليم من علم قد أتى الخبر عن رسول الله أنه غاية العلم حيث روي عنه:«أول العلم معرفة الجبار وآخره تفويض الأمر إليه»(7).
فالإمام الحسين عندما قال: «شاء الله أن يراني قتيلا...»لا يقصد أنه مجبر أبدا وحاشاه أن يعتقد بالجبر، إنما قال ذلك قاصدا أنه قد علم بما يريده الله تعالى منه أن يعمل فخطط لئن تكون مشيئته والعمل على الواقع مطابقا لمشيئة الله مع علمه بحجم التضحيات في سبيل ذلك، فهذا إنما يدل على معرفته بالله سبحانه الذي جعله يفوض أمره إليه مع ما في التفويض من تضحيات كبيرة، فكان بذلك قدوة لحملة الدين حيث كل تسليم مهما بلغ البلاء في سبيل ذلك هو دون تسليم الإمام الحسين وثباته في طريقه نحو الشهادة.
ومن هنا نعلم أن حامل الدين هو الذي يسلِّم لله سبحانه في أمر له من الضغوط والتضحيات فضلا عن دونها من الأمور السهلة اليسيرة فإنه حتما يكون مسلّما لله فيها، وهذا هو الفيصل بين حامل الدين وبين غيره ممن وصفهم الإمام الحسين بقوله:« الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون.»(8)
- حملة الدين على نهج الامام الحسين:
نهج الإمام الحسين في مبدأ التسليم الذي قد تعرضنا له يبدي لنا معالم حملة الدين؛ فمن هم؟
لحامل الدين في الإمام الحسين أسوة حسنة فعندما علم بحاجة الدين له في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد تقلّد ذلك الأمر مع علمه بعظم التضحيات عليه وعلى أهل بيته وأصحابه قائلا :«... وأني لم أخرج أشِراً ولا بَطِراً ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر»(9)، وللعلم فإن فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تفوق بقية أعمال البر والخير والجهاد؛ فعن أمير المؤمنين: «ما أعمال البرّ كلها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثة في بحر لجي، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان أجل ولا ينقصان من رزق، وأفضل من ذلك كله كلمة عدل عند إمام جائر»(10)
فما سبب تسمية حامل الدين بذلك إلا لأنه يرعى احتياجات الدين المعاصرة فيعلم بالزمان وأهله وبتالي لا يقصّر في وظيفته إزاء دينه؛ فإذا رأى أن ركنا من الدين يُعمَل على هدمه عمل في المقابل على تشييده، وإذا رأى ثلمة ينفث منها العدو ثقافته وشبهاته عمد إلى سدها، تلك هي روح التصدي والرعاية لدين التي نجدها في خبر النبي عن حامل الدين؛ «يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف الغالين وانتحال الجاهلين كما ينفي الكير خبث الحديد»(11)
وحفظهم للدين إنما هو مساهمة وتمهيد منهم لظهوره على الدين كله إذ لولا ذلك لاندثر و ضاع، ولم يكن للإسلام أن يظهر على الدين كله.
وبهذا قد عرفنا رواد مسيرة التمهيد لدولة القائم من آل محمد وعلى رأسهم وقدوتهم في ذلك الإمام الحسين حينما قال:«شاء الله أن يراني قتيلا»، وبما سطر من واقع تطبيقا لعرفانه بتلك الخيرة التي اختارها الله له.
وعلى ضوء ذلك يمكنك تشخيص من هم رواد المسيرة ومن هم المآزرين لها ومن يعمل على إعاقة حركتها، والأهم من كل ذلك تشخيص حالك من أي فئة أنت؛ فبيدك البوصلة التي تهديك إلى رواد المسيرة وتبين لك حالك.
والمسيرة في حمل الدين تتقدم مع تقادم الزمان لتحقيق تلك الغاية وهي الظهور فهلّا كان لنا دور في ذلك التقدّم.