محاضرة الليلة الأولى من محرم 1441 هـ
عاشوراء نهضة القِيَم || سماحة الشيخ أمين محفوظ
عن أبي عبدالله الحسين (( وإنّي لم أخرج أشِراً ولا بطِرًا ، ولا مُفسدًا ولا ظالمًا .. وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أُمة جدّي "صلى الله عليه و آله" ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، و أسير بِسيرة جدّي و أبي علي بن أبي طالب "عليه السلام" ))
ثمّة ٣ عوامل لها أثر كبير في إنساء حوادث الدهر و إحالتها للنسيان و إبعادها عن ذاكرة الناس
١) الزمان : فَتعاقُب الليل والنهار و السنوات والعقود كفيلٌ أن يُخفِي الكثير من حوادث الدهر مهما كان حجمها و أهميّتها ، فكثير من الحوادث تصبح حديث الناس في وقتها ثم لا تلبِث بعد مضي الزمان إلا أن تُصبح عبارة عن زاوية في خانة التأريخ.
فالزمان لهُ فِعله في زوال أثر الأحداث ، والكثير من الأحداث و إن بقيَ رسمها في الذاكرة إلا أن أثرها يزول.
٢) حصول حادثة أكبر و أعظم فتغطي على سابقتها : كثير من الحوادث تضيع في ركام الحوادث الأكبر منها ، فَنجد أن أحداثًا تَمُر في حياتنا تُنسى بسرعة بسبب حصول حادثة أكبر وأعظم منها فتطغى عليها.
٣) التزاحم بين هذا الحدث و بين أمور تخص الإنسان نفسه : بعض الأحيان تمر على الإنسان أحداث يسمعها أو يراها غير متعلقة به ، فإن جرى حدثٌ ما يتعلق به فيضع اِهتمامه على نفسه.
فَالناس بطبيعتهم يُولُون اِهتمامًا أكبر لما يرتبط بهم .
و إن وقفنا للتحدث عن عظمة عاشوراء وقوة هذه الحادثة وخلودها .. فإن تلك العوامل وغيرها حينما تأتي على واقعة الطف ، تعمل على عكس طبيعتها.
فالزمان كلما تعاقب ، كلما تجدّدت قضية عاشوراء و اِزدادت ظُهورًا.
و عند النظر للأحداث التي تلت واقعة كربلاء إلى يومنا هذا من حروب و غيرها ، نجد أن حادثة كربلاء حاضرة في وِجدان الناس لا تُغطّيها الحوادث الأخرى.
وحين التأمل فيما يرتبط بشخص الإنسان ، ترى أن الناس الذين يُصابون في أنفسهم بمرض أو فَقدِ عزيزٍ أو غيره من أشكال المصائب ، لا تُنسيهم أو تُبعدهم عن مصائب الحسين "عليه السلام" و ذِكر واقعة الطف ، بل تصبح مُناسَبة لذِكر مصائب الحسين "عليه السلام" لتخفيف الحِرقة و الألم من مصائبهم.
فكل العناصر السابقة تعمل على ضدها أمام هذا الحدث العظيم ، و بالرغم من أنه لم تتعرض حادثة من حوادث الدهر لمحاولات الإقصاء والمحو كما تعرضت واقعة كربلاء .. نجد أن هذه الواقعة خالدة نابضة بالحياة.
فما هو سر الجاذبية في هذه القضية؟
١- إرادة الله عز و جل ، فإن أراد الله أمرًا ، وفّر له أسبابه، و لأن الله تعالى يتولى الصالحين.
٢- مضامين القيم التي أعلنها الحسين وسار لتحقيقها بكل صدق هي قيم مُنسجمة مع الفِطرة البشرية ، أَي أنّها قيم إنسانية ..
فستبقى هذه القضية ببقاء الإنسان.