العنف الإداري
بالرغم من غزارة المطر، وبالرغم من صعوبة السير ... إلا أنه وصل مقر عمله بعد مغامرات استمرت قرابة الساعتين ... لكنه تفاجأ بوضع الخط الأحمر وإغلاق سجل الحضور والانصراف ...
تحدث مع مديره ...
لكن المدير أجابه : هذا هو النظام ... وأغلق الباب ...
كما أن هناك عنف اجتماعي أو أسري أو تعليمي ... يوجد أيضا عنف إداري وقد يسميه البعض بـ (إرهاب إداري) وهو عنف يتسم بسمات الغطرسة والنظرة المتعالية التي يتمتع بها مدير الإدارة وهو مدير يريد أن يطبق الأنظمة بحذافيرها وليس لديه مساحة للأعذار ومراعاة الظروف الطارئة وهو مدير يحول إدارته إلى ثكنة عسكرية!! وقلما تجد هذا المدير يبتسم مع موظفيه!!
- نتائج العنف الإداري
إن العمل وسط هذه البيئة المشبعة بالعنف سواءً بالقرارات التعسفية أو الكلمات القاسية وتضييق مساحة الحرية وعدم المرونة في العمل تنتج العديد من السلبيات منها :
· قلة الإنتاجية.
· قتل الإبداع والتطوير في العمل.
· هروب الكفاءات إلى أقسام وإدارات أخرى.
· قتل روح المبادرة وتقديم المقترحات.
وفي هذه الإدارة المتسمة بالعنف تُصادر حقوق الموظف فلا ترقيات مناسبة لأداء الموظف ولا حوافز ودورات تدريبية وهي إدارة جافة بلا مشاعر، إدارة بلا اكسجين!! حتى قال أحدهم : أشعر بالاختناق عند دخولي لمكتبي بسبب الأجواء السلبية المحيطة بنا!!
- المراقبة البوليسية تقتل الإبداع
يقول فران تاركنتون في كتابه ماذا علمني الفشل عن النجاح : “معظم المنظمات اليوم تستخدم برامج تقييم الأداء والملفات السرية لتسجيل أكبر عدد من أخطاء الموظفين ومحاسبتهم عليها، والغرض من ذلك حرمان الموظفين من فضيلة ارتكاب الأخطاء، أو إثارة الفزع والرعب في قلوبهم كي يحسنوا أداءهم، وهذه السياسة قد تؤدى إلى تحسين الأداء على المدى القصير، ولكنها على المدى الطويل بالقطع لن تحقق نفس النتيجة، فالموظفون سوف يمتنعون عن مجرد التفكير في أية محاولة لأداء العمل بطريقة جديدة ومبتكرة “.
- تجربتان ناجحتان
نقول لهؤلاء المدراء المتغطرسون : تعلموا من سيرة الرسول الأكرم كيفية التعامل الناجح مع الناس فلا تسلط و لا تهميش ولا غلظة يقول تعالى : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) آل عمران: (159)
وقد وصف أبو سعيد الخدري رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: «هيّن المقولة، ليّن الخلقة، كريم الطبيعة، جميل المعاشرة، طلق الوجه، بسّاماً من غير ضحك، محزوناً من غير عبوس، شديداً من غير عنف»(1)
فهناك ألفة ورحمة بين المدير والمرؤوسين، هناك تعامل أخلاقي راقي، هناك مساحة من العفو و التسامح والتشاور، هناك دعم معنوي بالكلمة الطيبة للموظفين، والبسمة الصادقة.
وعليكم أن تتعلموا من سيرة الإمام علي في كيفية توجيه المدير، ففي عهده عليه السلام لمالك الأشتر يقول (عليه السلام) : ( وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ ، واللُّطْفَ بِهِمْ . ولا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً ، تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ ؛ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ : إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ )(2).
فلا تكن مستأسداً مع موظفيك، تحاسبهم بالدقيقة والثانية، وتحسب كل زلة وكل صغيرة من الأخطاء، بل عليك أن تناقش وتصحح وتسدد وليكن شعارك (نحن يد واحدة) نتعاون ونتفاهم وننتج أفضل الأعمال.
- اللاعنف الإداري طريق النجاح
اللاعنف الإداري يعني التواضع مع الموظفين والنظر لهم بكل تقدير واحترام وهو يعني الابتعاد عن النقد اللاذع للموظفين وهو يعني فتح القلوب قبل فتح أبواب المكاتب للتفاهم وتبادل الآراء وهو يعني تحويل بيئة العمل إلى بيئة تسودها أخلاقيات التقارب بين الموظفين وإزالة كل حواجز الانغلاق الفكري والإداري والتفكير بصورة جماعية ومبدأ واحد.
علينا أن نتعلم هذا المبدأ ونشيع في مؤسساتنا هذا الفكر لنحصد أفضل النتائج قال رسول الله : «إنّ في الرفق الزيادة والبركة ومن يحرم الرفق يحرم الخير»(3)