الموج الشيعي

     مقاربات مضطربة ، وأخرى مغرضة ، استهدفت توصيف الظاهرة الشيعية على ضوء التحولات السياسية المعاصرة ، بدأت بمحذورات تصدير الثورة ، مرورا بناقوس الخطر الشيعي ، وكان آخرها عنوان ( الهلال الشيعي ) ، وباعتبار ممانعة الظاهرة الشيعية عن القراءة خارج سياقها التاريخي ،  ومنظورها العقائدي والقيمي ، كان الأجدر الانتقال من مقولة الحسين ( الملك ) ، إلى منظور الحسين ( الإمام ) كما ورد في قوله ( إني لم أخرج أشرا ولا بطرا وإنما خرجت في طلب الاصلاح في أمة جدي ). ليتبدى للمراقبين أن الموج الشيعي ما هو إلا جزء من نهضة دينية عالمية ، وانبعاث للإسلام الحضاري ، فالتشيع هو التطبيق النهضوي لواقع التوحيد في جميع حقول الحياة ، وبصفة خاصة في الحقل السياسي .

     ما يميز الموج الشيعي أنه رغم ما يعترضه من صخور ، يتشكل مع سياق المرحلة وتضاريس مناطقها ، متفاعلا مع مكونات البيئة التي يستوطن  بها ، من هنا كان الثراء في المشروع الشيعي ، كمرتكز لبناء الانسان والأوطان ،متجاوزا الاشكالية السلفية في تقديس النماذج والأشكال ، فقد أعلى الموج الشيعي من قيمة الاستقلال  في التجربة الايرانية  ، وأعلى من النهج المقاوم في لبنان ، وحين يداعب سواحل  الخليج تتمظهر أولوية السلم والرفاه الاجتماعي ، . واليوم يصاغ المشهد العراقي من جديد في إطار أولوية الأمن والتنمية .

 فالشيعي مع أي تحول أو متغير ، يسترشد بالنص القرآني ، ويحاكي مخزونا ثريا من سيرة أهل البيت وتجربتهم ،حيث يطرح الاستفهام عن المرحلة في مقاربتها لظروف حياة أي إمام معصوم ؟

هذا السؤال حين حملته إلى أحد الفقهاء ، ذكر أن الأقرب هي مرحلة الامام الرضا من حيث قبوله بولاية العهد المشروط في سياق من التقييد.

     مما يبرز المشاركة السياسية كعنوان لتوصيف المرحلة القادمة للمشروع الشيعي ، وهو ما يمكن رصده عبر الكم هائل من الكتابات التي تحاول قراءة الظاهرة الشيعية ودخولها كشريك في النظام السياسي العربي ، فالمشاركة السياسية هي المدخل الاسلامي للممارسة الاصلاحية ، يقول الامام علي عليه السلام ( فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية .، فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه وأدى الوالي إليها حقها ، عز الحق بينهم ، وقامت مناهج الدين ، واعتدلت معالم العدل وجرت على أذلالها السنن فصلح بذلك الزمن وطمع في بقاء الدولة ) .

     وفي دلالة على أنه لا سياسة بلا خريطة ، يقال أن الجنرال ديغول كان يحرص دائما إلى النظر إلى الخريطة قبل أن يبدي رأيا في أي قضية سياسية ، وكان دائما ينصح رفاقه ووزرائه ومساعديه بأن يستشيروا الخريطة ، لأنها سوف تضيف إليهم دائما شيئا جديدا .

وإن على أتباع أهل البيت في ظل التحولات السياسية الراهنة ، أن يتأملوا في الخريطة جيدا في استدعاء لحقائق التاريخ والجغرافيا لاستذكار الحقائق التالية :

(1)  تمثل خارطة التشيع ما هو أكبر من إقليم هنا أو قرية هناك، وتتجاوز صيغة سياسية ما أو مكتسبات حزبية ضيقة ، بل إن التمعن جيدا في الخريطة يكشف عن المدى الشيعي الذي تتشكل أمواجه على مستوى تطلعات الأمة ومشروعها الحضاري .

(2) الشيعة أمة  تختزن مقومات الاصلاح والبناء بما تمثل اليوم من تيار العقلانية والاجتهاد ونهج العزة ، وعلى أبنائها تعزيز النموذج التكاملي ، في ائتلاف القوى الشيعية في إطار المرجعية لانجاز الاستحقاقات المرحلية. وعدم الانشغال بالصراعات الاستنزافية والفتن الداخلية واستثمار الفرصة التاريخية للتطبيع مع جمهور العالم العربي .

(3) تنمية الوعي السياسي والالتفات  إلى حقيقة أن الانتصار السياسي بوابة للانتصار الثقافي  ، فالمصالحة الوطنية لا تتاتى إلا من خلال اعتماد الحقوق المذهبية كمرتكز للوحدة الوطنية ،  والتطبيع مع فكر أهل البيت ، إذ أن غياب هذا الفكر كان سببا لشق الصف ولتنامي الفكر المتطرف ،ويبدو ذلك بوضوح في ارتكاز مختلف الأطراف على تجربة الامام علي عليه السلام مع الخوارج كمنهجية لمواجهة الفكر المتطرف .

 (4) للموج الشيعي اسهام أساسي في مقاومة سلبيات المشروع الثقافي للغرب المنتصر سياسيا عبر تيار العولمة وموجات التغريب ، بما يملكه من زخم عقائدي على مستوى الشعار والشعائر، وفكر منفتح على العصر .

(5) مع الأخذ بعين الاعتبار إشكالية المحيط الذي يحاول أن يشيد جدار الفصل الطائفي ، عبر العبوات الناسفة التي تزرعها بعض الفضائيات ، والسيارات المفخخة التي تفجرها بعض الجماعات ،  يبقى الرهان على الوعد الرباني ، الذي استجاب لصرخة الحسين يوم العاشر من المحرم ألا من ناصر ينصرنا ليجعل من ضريحه مزار الملايين وكربلاء بوابة التغيير في الأمة ان شاء الله .