أخلاقيات الحاج
الحج هو تلك الرحلة الإيمانية المميزة،وهو مدرسة ايمانية واخلاقية وتربوية عظيمة، يتخرج منها الإنسان بامتياز حين يؤديها على أصولها الفقهية، وحين يمارس كل شعيرة من شعائر الحج بكل وعي، فهو يحج حج العارفين، حج العاشقين، حج الواعين لفلسفة أعمال الحج وأبعادها الروحية والأخلاقية.
الحج هو ملتقى عالمي تتحقق فيه مبادئ التعارف الاجتماعي، والتلاقي مع الناس، ولأنه هكذا، فهو يتطلب بعض أسس التعامل مع الناس، وبعض الأخلاقيات، أذكر منها:
1 ) الأخوة والمحبة: الحج هو ملتقى الأخوة، وهو أفضل فرصة لتعميق أواصر الأخوة، فالجميع جاء ليبدأ صفحة جديدة من حياته، وهذه أفضل فرصة لاختيار أفضل الأصدقاء، ولهذا يقول أمير المؤمنين : " أخوان الدين أقوى مودة " ولأن المؤمن " يُغْتَنَمُ مُؤاخاةُ الْأَخْيارِ وَ يُتَجَنَّبُ مُصاحَبَةُ الْأَشْرارِ وَ الْفُجّارِ" كما قال .
وهذه الأخوة لابد أن تتسم بسمة الحب في الله، وأن يكون هذا الحب عميقاً ونابعاً من القلب حتى تدوم هذه الأخوة، وتستمر إلى ما بعد الحج .
2 ) التآلف بين المؤمنين : قال رسول الله : " المؤمن إلف مألوف ولا خير في من لا يألف ولا يؤلف ". وقَالَ رسول الله : " خِيَارُكُمْ أَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقاً ، الَّذِينَ يَأْلِفُونَ وَ يُؤْلَفُونَ "
اجعل شخصيتك مبنية على أصول المحبة والانسجام مع الآخرين، نمي في ذاتك عناصر الجاذبية والتآلف، لتجعل كل فرد في الحملة يرغب بالجلوس معك ويتشوق للحديث معك،ويمكنك أن تدخل قلوب الآخرين دون أن تنطق بكلمه واحدة، إذ يكفي سلوكك الناطق بالصفات الكريمة والأخلاق الحميدة، هكذا تكون حاجاً مألوفاً.
3 ) التعاون:يقول تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) وهو من القيم الإنسانيّة العظيمة، ولا يمكن للإنسان أن يعيش إلا متعاونًا مع غيره، والتعاون هو الخروج من حالة الفردية إلى الحالة الجماعية، وهذا ما يتحقق في الحج، فكن متعاوناً مع الآخرين في مختلف أبعاد الخير، والفضيلة، وعندما يسود التعاون بين أفراد الحملة تتعمق مشاعر الأخوة والألفة والمودة بينهم.
4 ) صيانة اللسان: في الحج أنت في ضيافة الله، فعليك أن تحترم هذه الضيافة في جميع سلوكياتك صغيرها وكبيرها، وتأتي الكلمة الطيبة إحدى مظاهر الحاج الذي يوقر الضيافة الربانية، وشعاره قول الخير دائماً: يقول تعالى في ذلك: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾. وعن رسول الله أنّه قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت". وهكذا يكون لسان الحاج منبع للفضائل، والكلام الحسن.
5 ) البعد عن المزاح : فهذه الفرصة الذهبية إنما جعلت للعبادة، وللقرب من الله تعالى، وليس للمزاح والمرج، والتهريج، ذلك لما للمزاح من أثاره الوخيمة حيث يقول أمير المؤمنين ( ع ) : " من كثر مزاحه قل وقاره " .
وفي هذا الجانب ينبغي الابتعاد عن السخرية بغطاء المزاح فـ "لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا".
6 ) الحلم وعدم الغضب : فقد يتعرض الحاج لمواقف تثير أعصابه، وتجعله يثور بداخله، وربما يكون هذا الغضب قائداً لسلوك من شأنه أن يؤثر في أعمال الحاج .
ولهذا نرى أمير المؤمنين يوصي في كلماته بعدم سيطرة الغضب على النفس، حيث يقول : " الغضب نار القلوب " " الغضب مركب الطيش " " في الغضب العطب"، و يتحدث عن الحلم فيقول : " الحلم تمام العقل " و" إن أفضل أخلاق الرجال الحلم " .
7 ) إياك والكسل: فهو الطريق للفشل، وهو المضيع لفرص النجاح ولهذا نرى أمير المؤمنين يقول : " آفة النجاح الكسل " .
والكسل له عدة مصاديق من بينها الكسل في أداء الفرائض، والشعائر، ولهذا فإن "الكسل يفسد الآخرة ". ولهذا فعلى الحاج أن لا يجعل هذه الرحلة الإيمانية متسمة بسمة النوم، والكسل عن العبادة، بل عليه أن يضاد الكسل بدوام العمل، و الانشغال الدائم بما يقوي تقواه، ويرسخ إيمانه .
هذه جملة من الأخلاقيات التي ينبغي على الحاج الالتزام بها، وتحقيقها في ذاته.