الضريبة الانتقائية

ناصر موسى الحسين *

 كان سؤاله صادمًا: ماذا تريد أن تفعل بالضريبة الانتقائية؟ السائل لم يكن سوى جهاز الكمبيوتر الذي يحترم صاحبه ويستشيره وربما يتحاور معه، وفي النهاية يعتبر نفسه جهازًا مطيعًا له..

فاجأني بهذا السؤال عندما أردت تنزيل المقال من بريدي الإلكتروني إلى ذاكرة الجهاز لاستكمال الكتابة فيه ولعمري إنه سؤال خبيث رغم براءة الجهاز.

يوم أول أمس (الأحد) صدرت موافقة مجلس الشورى على مشروع الضريبة الانتقائية، وقد خلقت الموافقة شعورًا عامًا بالارتياح، تجلى ذلك في التغريدات المؤيدة للمشروع والتعليقات التي نشرت في مواقع التواصل الاجتماعي، فالضريبة القادمة تحاصر المشروبات الغازية والطاقة والتبغ ومشتقاته، ويمكن أن تقلل من التأثيرات السلبية الكبيرة التي تنجم عن استخدام هذه الآفات على الصعيد الاقتصادي والصحي والبيئي والاجتماعي.

ورغم أن موافقة مجلس الشورى تُعد تحصيل حاصل (فالمملكة ملتزمة باتفاقيتين خليجيتين موحدتين حول ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية) إلا أنها تمثل خطوة إيجابية ستجلب معها مجموعة من التأثيرات المهمة، فالقرار يصب في الاتجاه الصحيح لأنه يتعلق بصحة الناس، ولكن التوقيت مهم أيضًا، فمن يراقب سلسلة الإجراءات والقرارات خلال الفترة الماضية سيلاحظ كثافتها خلال شهر واحد، فقد تزامن ذلك مع الإعلان عن تسريح أعداد كبيرة من الموظفين، وزيادة رسوم الكهرباء وفرض رسوم على إعلانات تأجير أو بيع العقارات وغيرها مما يخلق توترًا للنفوس وإرباكًا للجيوب.

الضرائب من حيث المبدأ ليست سيئة كما ينظر إليها الكثير، فالدول المتقدمة نفسها تفرض ضرائب كثيرة، لكن المهم إلى أي حد تساهم هذه الضرائب في زيادة الرفاهية، وتحسين الخدمات، والحفاظ على الصحة والبيئة، وتحقيق المصلحة العامة للمجتمعات.
يقول البعض: إن الهدف من الضريبة هو زيادة الموارد المالية، وإذا صح ذلك فإن المصلحة –ظاهرًا - ستكون في زيادة أعداد المدخنين بهدف زيادة الإيرادات، لكن دول المجلس تدرك التكاليف التي تتكبدها موازناتها لعلاج أمراض التدخين، وعلى سبيل المثال فإن السعودية وحدها تتحمل تكاليف علاجية تتجاوز 20 مليار ريال سنويا، وإذا لم يكن هذا الرقم كافيًا لتسفيه الهدف المالي فإن نظرة على الأرقام العالمية قد تكون أكثر إيلامًا وإقناعًا، إذ تشير تقارير عام 2014 إلى أن فاتورة العلاج من أمراض السرطان الناجمة عن التدخين عالميًا بلغت 1.9 تريليون دولار، أي أكثر من إيرادات الضرائب على التبغ التي قدرت بحوالي 269 مليار دولار في عامي 2013 و2014.

على مستوى دول المجلس تقدر واردات التبغ إلى قطر بأكثر من 300 مليون ريال، وتشير الإحصاءات إلى أن 37% من السكان هم من المدخنين، وهي تحتل المرتبة الرابعة خليجيا في قائمة الدول الخليجية الأكثر تدخينا، بنسبة 19.4%، تسبقها الكويت 31.3%، والبحرين 23.8% والسعودية 22.2%. أما السعودية فإن وارداتها السنوية من التبغ تبلغ نحو 7 مليارات ريال، ومن المشروبات الغازية 6 مليارات ريال، ويصل عدد المدخنين فيها 6.8 مليون مدخن مرشح للارتفاع إلى 10 ملايين عام 2020، كما يقدر حجم الإنفاق فيها على التبغ بنحو 18 مليارا سنويًا.

إن تركيزنا على التدخين دون المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة التي تشملها الضريبة لا يعني التقليل من خطورتها، فهذه هي تشكل عبئًا على الصحة والمال، كما أن ما سبق لا يمنعنا أن نتساءل عن علاقة هذه الضريبة مع ضريبة القيمة المضافة القادمة؟ وهل ستبقى النسبة أم ستتصاعد؟ وماذا سيتبع هذه الضريبة..

ما هي الإجراءات الضرورية المطلوبة لتعظيم الفائدة منها؟ لا بأس أيضًا من الاهتمام بسؤال الكمبيوتر المريب: ماذا تريد أن تفعل بالضريبة الانتقائية؟
 

كاتب وصحفي سعودي