الملكية الفكرية

ناصر موسى الحسين *

 قدر تقرير اقتصادي صدر عن «لجنة دراسة القرصنة الفكرية» في الولايات المتحدة الأمريكية، خسائر الاقتصاد الأمريكي نتيجة عمليات القرصنة الفكرية بحوالي 600 مليار دولار سنويًا.. هذا رقم صادم بكل المقاييس، خاصة ونحن نتحدث عن الجزء المتقدم من العالم الذي يُنظر إليه باعتباره ملتزمًا بثقافة الحقوق بشكل عام، والحماية الفكرية بشكل خاص.

تُعد القرصنة الفكرية من مصادر التهديد الخطرة التي تحسب لها الدول ألف حساب، فهي تستنزف الكثير من الأموال والطاقات، لذا فإن اللجنة– مصدرة التقرير- وسمتها بأنها من المهددات الكبيرة للاقتصاد الأمريكي، وحمّلت الصين المسؤولية الكبرى بسبب «سياستها الصناعية التي تعطي أولوية لكل من الاستحواذ على الابتكارات العلمية والتكنولوجية وتطويرها».

يتزايد اهتمام العالم بقضايا الملكية الفكرية، خاصة في ظل التوجه نحو اقتصاد المعرفة، التوجه الذي التفتت إليه دول المجلس فبدأ يأخذ مكانه في خططها، وقد اتخذت دول المجلس بعض الخطوات لحماية اقتصاداتها، وذلك عبر إقرار إجراءات حماية الملكية الفكرية، مدفوعة بالسعي لاجتذاب الاستثمار الأجنبي الذي يضع ضمن اشتراطاته بيئة آمنة معلوماتيًا.

من بين الإجراءات التي اتخذتها دول المجلس، تضمين الاتفاقية الاقتصادية نصًا يقتضي قيامها «بوضع برامج لتشجيع الموهوبين ودعم الابتكار والاختراع، وتتعاون في مجال الملكية الفكرية وتطوير الأنظمة والإجراءات الكفيلة بحماية حقوق المبدعين والمخترعين، وتنسق سياساتها في هذه المجالات تجاه الدول والتجمعات الإقليمية الأخرى والمنظمات الإقليمية والدولية».

وإذا كانت أمريكا نفسها تعاني من انتهاكات الملكية الفكرية فإن دول المجلس هي الأخرى تعاني على هذا الصعيد، غير أن «رويترز» تبالغ بالقول بأن القرصنة في دول المجلس تشكل «حلقة من حلقات الاستنزاف الاقتصادي العالمي» فالأسواق الخليجية ليست بهذه الضخامة لتصل إلى حد التأثير على الاقتصاد العالمي من بوابة القرصنة، وإذا ما راجعنا أهم الاختراقات التي حصلت على مستوى العالم فسنجد أن مصدرها بعيد عن دول المجلس، ومن أمثلة ذلك كارثة الساحل الشرقي في الولايات المتحدة الأمريكية التي عطلت شبكة الإنترنت في معظم ولايات الساحل الشرقي في أكتوبر الماضي، وذلك نتيجة هجمات إلكترونية ضخمة، فتأثرت شركات كبرى مثل تويتر وأمازون.

ومن المناسب هنا الإشارة إلى أن المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO سجلت العام الماضي أرقامًا قياسية لطلبات تسجيل البراءات الدولية على العلامات التجارية وحماية التصاميم الصناعية، وعزت ذلك بشكل كبير إلى المودعين الصينيين المتجهين إلى عولمة أنشطتهم التجارية. هذا يجرنا لمعرفة الدوافع التي تقف خلف الانتهاكات لحقوق الملكية الفكرية، والتي من بينها حرب العلامات التجارية بين الشركات، والحروب الاقتصادية بين الدول، بينما هناك بعض الهواة الذين تدفعهم الرغبة في إثبات الذات بشكل خاطئ، إضافة إلى تجار السوق السوداء الذين يقومون بنسخ البرامج أو بيع الرموز السرية أو مفاتيح التفعيل بأسعار منخفضة مقارنة بالأسعار الأصلية، ولهؤلاء زبائن كثر في دول العالم الثالث لأسباب من بينها القدرة الشرائية المنخفضة للأفراد، والجهل بمخاطر انتهاك الملكيات الفكرية.

بالطبع، فإن حقوق الملكية الفكرية ليست حكرًا على البرمجيات والعلامات التجارية وإنما تشمل المطبوعات والإنتاج المسموع والمرئي، غير أن المنطقة ليست غنية بهذا النوع من الإنتاج، ولا مستهلكة كبيرة له، لذا فإن التركيز انصبّ على الأشكال الأخرى التي تتعلق بالاختراقات الإلكترونية، خاصة مع الأضرار الاقتصادية المباشرة لهذا النوع. أمام هذا الواقع هناك مهام ينبغي على الجهات المعنية القيام بها، تتلخص في: أهمية إصدار قوانين وتشريعات صارمة، وتكثيف برامج التوعية، وتفعيل مراكز براءات الاختراع المحلية، وتعزيز الحماية التأمينية لمخاطر السرقات الفكرية والجرائم الإلكترونية.

كاتب وصحفي سعودي