وداعاً.. يا أمراء الجنة
"فوق كلّ برّ برّ؛ حتى يُقتل المرء في سبيل الله، فليس فوقه برّ".
هناك فرق كبير بين الموت الذي يأتي إليك؛ فلا تستطيع دفعه، أو تقبله بروح آمنة مطمئنة، والموت الذي تقتحم أوكاره، وتدكّ معاقله، بخطى شجاعة واثقة!!
لقد أثبت شهداؤنا الأربعة الأبرار الذين سقطوا ظلماً وعدواناً في التفجير الجبان الغادر في مسجد الإمام الحسين بحي العنود بالدمام أنّهم أبطال فدائيون لا يرهبون الموت، بل يعانقونه بشجاعة لا توصف!!
كثيرون هم الناس الذين يتكلمون بملء حناجرهم عن الشجاعة والبطولة والفداء، لكنّهم في امتحان الفعل والتطبيق يفشلون!!
وشهداؤنا الأبطال لم ينبسوا ببنت شفة عن ذلك، ولم يخطوا سطراً باليراعة والمداد، لكنّ فعلهم البطولي الفذّ كشف ـ بما لا تكشفه مليارات الملاحم الحماسية والخطب المنمقة ـ الإيمان الراسخ النابت في حدائق قلوبهم الفيحاء.
إنّه الإيمان الذي يشدّ إلى ركب الشهادة شباباً في عمر الفتوة، يختزنون النجاح في حياتهم، وتتفتق زهرات الدنيا في أيديهم، بعضهم للتو عاد يحمل شهادة تخرّجه، والقفص الذهبي يسبي عينيه!!
إنّها الشجاعة والبطولة والفداء في سبيل الله والدين والمبدأ.
إنّها الشجاعة والبطولة والفداء في سبيل حفظ الإنسان وأرواح الأبرياء.
إنّها الشجاعة والبطولة والفداء في طريق تحقيق الكرامة والعزة والحرية والإباء..
إنّها الشجاعة والبطولة والفداء التي غرفوا معينها الثرّ من سيّدهم وإمامهم الحسين الشهيد ، ونسج ثيابها لهم سعيد بن عبد الله الحنفي.
لقد جادت آنات الزمان على سعيد بن عبد الله الحنفي؛ ليقول بآخر ما تبقى من مهجته وحشاشته التي مزّقتها السهام.. لإمامه الحسين : "أبا عبد الله، هل وفيتُ؟!!"، فقال له الحسين: "نعم..، أنت أمامي في الجنة، فأبلغ رسولَ الله عني السلام، وقل له: إنّ الحسين في الأثر!!".
أما أنتم ـ أيّها الشجعان الأبطال الفدائيون ـ فلم يمهلكم الزمان لتقولوا للمؤمنين ذلك، لكنّ فعلكم قال، ونحن نشهد لكم بالوفاء، وأعظم الوفاء، وفريد الوفاء، وسيكتب التاريخ ذلك، وتتخذه الأمهات أنشودة بطولة تعلّمها لأبنائها.
وادعاً أيّها الأبطال..
وداعاً أيّها الأرواح الشفافة..
وداعاً يا حماة الصلاة..
وداعاً...
فهذه الدنيا ليست مسكنكم؛ لأنّ الله اختاركم لتكونوا أمراء الجنة..