دقيقة تأمل

أ . بدر الشبيب *

 

 عالم اليوم هو عالم التحالفات العملاقة والشركات متعددة الجنسيات العابرة للقارات. الشراكات القوية سمة من سمات المجتمعات الناجحة في عصرنا الراهن. فالأوطان المستقرة المنهمكة في ابتكار الجديد كل يوم هي تلك التي تمكنت أولا من إنجاز صيغة متينة لعقد شراكة حقيقية بين مواطنيها باعتبارهم شركاء في الأرض وثرواتها، ومسؤولين جميعا عن إصلاحها وإعمارها. والأسرة المتماسكة هي تلك التي لا يتشاكس شركاؤها فيما بينهم، بل يعرف كل منهم ما له وما عليه، ويلتزم به. والمجتمع المزدهر هو الذي يجيد إدارة أموره بين أفراده بوصفهم شركاء في المصير، ويتقن تكوين المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية المشتركة.

ومع وضوح هذه الحقيقة، غير إننا نشهد وضعا معاكسا لها في مجتمعاتنا العربية بشكل عام. فالعقد الاجتماعي النابع من الإرادة العامة للشركاء لا يزال بعيد المنال. بل إن البعض لا يتورع عن نفي شريكه في الوطن، بدعوى الاختلاف في الدين أو المذهب أو العرق أو اللغة أو غيرها. ولا يختلف الوضع كثيرا على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الأسري.

فكثير من الشركات التي تتأسس سرعان ما تنتهي إلى الفشل، بسبب غياب ثقافة الشراكة وما تستلزمه من عقود دقيقة تغطي تفاصيل التفاصيل. في أحيان كثيرة تقوم الشركات على الثقة دون التوثيق، كما لا تكون مبنية على أسس سليمة ودراسة جدوى اقتصادية للمشروع المزمع إقامته.

كذلك في الحياة الزوجية، يجهل كل من الشريكين حقوقه وواجباته، فيظن ما ليس بحق حقا، وتنشأ المنازعات نتيجة ذلك، وقد ينتهي الأمر إلى فض الشراكة والتسريح بغير إحسان.

لنتأمل في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ.

فالخلطاء أي المتخالطون في شيء أو حق أو منفعة، وبمعنى آخر المتشاركون، يميلون بطبيعة الحال إلى انتقاص حق الآخر، إلا أن يكون لديهم وازع داخلي يمنعهم من التعدي على حقوق شركائهم. وهؤلاء كما تقول الآية هم الأقلية. لذا فإن العقود الواضحة الصريحة الشاملة تصبح ضرورة كتنظيم خارجي يمنع من التعدي ويحفظ لكل ذي حق حقه.

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام