مجتمعنا الداجن

ناصر موسى الحسين *


ان يتجنب المجتمع اي دور سياسي زاهدا او خائفا او مكرها فتلك قصة طويلة محزنة. أما أن يمشي في الظل كي يبتعد عن القيام بمسؤولياته في صيانة المكتسبات اﻻجتماعية او اﻻقتصادية او غيرها ففي هذا كلام موجع قد يعتبره البعض نوعا من جلد الذات.. ﻻ بأس فجلد الذات مبرر حين يصل بنا الحال إلى ما هو عليه من استسلام لمنشار التجار وشفرة الحرامية.

يبدو ان هناك وهما كبيرا يختزنه عقلنا الجمعي يتمثل في وجود أجهزةومؤسسات تشكل روافع لبرامج التنمية وموانع من ضياع المكتسبات..  دفع بنا هذا الوهم لنغفو على وسائد وثيرة من العناوين المزيفة لمؤسسات حماية المجتمع والبيئة والانسان والحريات والكرامة أو من قبيل أجهزة مكافحة الفساد والبطيخ. إحدى هذه العناوين البراقة الزائفة التي يغفو المجتمع على أنغامها ويستغرق في تمنياته الخائبة في ظلها: "حماية المستهلك".

من هو المستهلك؟ يبدو ان اﻷمر ملتبس على الجميع ما عدا التاجر (تاجر التجزئة) الذي ليس لديه شكا في أنه هو المستهلك المستضعف الذي يئن تحت وطئة استغلالنا لضعفه وقلة حيلته. لست أمزح.. فيوم أمس كاد تاجر مسكين أن يغرق متجره بفيض الدموع وهو يسرد لي معزوفة حزينة تكتظ بالخوف على المجتمع الوحش من أن يحرم من نعمة البيض!! فهو حريص جدا على صحتنا حتى لو ضحى بماء وجهه في الطلب من المنتجين (ﻻ اقصد الدجاج) بتخفيض اﻷسعار. منطقه خلق لدي مزيجا من تأنيب الضمير والكراهية، وسأترك للقارئ الفطن تفكيك ذلك.

قلت له معاتبا اننا نتوقع من هذه الفئة من التجار دورا مسؤولا تجاه ارتفاع اسعار بعض السلع التي تقفز بمجرد أن يشم الحرامية رائحة زيادة في رواتب شريحة من المجتمع أو إضافة طارئة مثل الراتبين.

وبدﻻ من مبادلتي الشعور بالحزن والقرف من ممارسات الحرامية وجدته مدافعا شرسا عنهم لكنه للانصاف كان أيضا متدفقا بالحنان والعاطفة خوفا علينا أن نحرم من نعمة البيض! فكان رده غاية في الرقة: "الناس تبي بيض"!.. عجيب! كنت اعتقد انهم يريدون صواريخ!

في مجتمعنا ليست هناك قيمة للمستهلك..السبب ليس سوانا نحن المستسلمين لكل أشكال التحقير والامتهان، استسلام يبدأ أمام الحرامية الكبار مرورا بتجار التجزئة ولا يقف عند بوفية صغيرة تبيعنا بيضا بأي سعر تشاء.

لن أستدعي للاذهان قصة بيض الارجنتين وﻻ خبز الدنمارك وﻻ بيبسي الهند. فالمسألة بقدر ما هي فاقعة في الوجع فهي فاضحة في الوضوح. مجتعنا داجن مستسلم ولذا لا ينبغي أن نلوم التجار وﻻ الحكومة بل انفسنا ان كنا أحياء عاقلين.

كيف يليق بنا أن نتحدث عن التغيير على المستويات السياسية والاصلاحات التشريعية ونحن لم نتجاوز اختبارا بسيطا وفشلنا أمام البيض كما فشلنا امام البيبسي.. وهل نأمل - في وضعنا هذا - أن نحقق نجاحا على صعيد حقوق اﻹنسان وحرية المعتقد والتعبير الحر عن الرأي ونحن نتعثر بأذيال تخاذلنا في مواجهة دكاكين الجشع! واذا كان هذا حالنا فهل نرجو من حماية المستهلك ان تفزع لنا! وهل يجدي أن نتحدث عن ثقافة المقاطعة .

كاتب وصحفي سعودي