الإسلام.. دين جميع الأنبياء

نحو ثقافة قرآنية (7)

لو تساءلنا: هل لفظ (الإسلام) خاصّ في الإطلاق على الدين الخاتم الذي نقله النبي الأكرم محمد عن ربّه، أم هو لفظ عام أُطلق على الديانات السماوية التي سبقته - أيضاً -؟

إنّ سؤالاً كهذا - إذا أردنا إجابة قرآنية عليه - يحتاج إلى عملية استقراء وتتبّع واستقصاء للآيات التي ورد فيها هذا اللفظ، ولو حاولنا جمع الآيات التي تحدثت عن ذلك، فقد نقف على مثل الآيات الآتية التي سنرتبها - زمنياً - مع تصديرها بقائلها أو من حصلت معه:

1- لخّص الله جميع أديانه في قول واحد؛ فأطلق عليها اسم (الإسلام): ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ(1).

2- وقال النبي نوح : ﴿فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ(2).

3- وقال النبيّان إبراهيم وإسماعيل : ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(3).

4- وقال الله عن أهل النبي لوط : ﴿فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ * فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ(4).

5- وقال النبي يعقوب : ﴿يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ(5).
6- وسأل النبي يعقوب أبناءه فقال: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي(6)، فـ ﴿قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ(7).

7- وقال النبي يوسف : ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ(8).

8- وقال النبي موسى فقال: ﴿يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ(9).

9- وقال السحرة بعد إيمانهم بموسى : ﴿وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ(10).

10- وفرعون حين: ﴿أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ(11).

11- وقال النبي سليمان لقوم بلقيس (قوم سبأ): ﴿ألاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ(12).

12- وقالت بلقيس حين دخلت الصرح الممرد الذي أعده النبي سليمان : ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(13).

13- وحين أوحى الله لحواريي نبيّه عيسى : ﴿أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ(14).

14- وأمر الله نبيّه محمداً فقال: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(15).

وأوضح الله للمسلمين أنّ اسم (الإسلام) تاريخي قديم مدخر لهم من أبيهم نبي الله إبراهيم : ﴿.... وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ(16).

نتائج ومستخلصات:

  • ولعلّنا من هذه الآيات نصل إلى النتائج التالية:

1- (الإسلام) اسم أطلقه الله، ويريد به جميع الأديان: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ.
2- (الإسلام) مصطلح أُطلق على ديانات أنبياء آخرين قبل النبي محمد ، وقد استعمله منهم: نوح وإبراهيم ولوط وإسماعيل ويعقوب ويوسف وسليمان وموسى.

3- استعمله الأنبياء الخمسة أولو العزم جميعاً، فجاء على لسان: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد.

4- استعمله أشخاص خارج دائرة الأنبياء لإطلاقه على الأديان التي بُعث بها الرسل في زمانهم، ومن ذلك: أبناء يعقوب (لو قلنا بأنّ المتكلّم الجمع وليسوا كلّهم أنبياء، بل بعضهم كذلك)، وبلقيس، والسحرة بعد إيمانهم، وحواريو المسيح، بل.. واستعمله ـ كذلك ـ فرعون.

5- الذي أدخر اسم (الإسلام)؛ ليختصّ به الدين الخاتم (الذي جاء به النبي محمد من عند ربّه).. هو خليل الرحمن النبي إبراهيم .

وبهذا يكون لفظ (الإسلام) قد أُطلق على جميع الأديان السماوية، وجميع رسالات الأنبياء، سواء منها الرسالات العالمية لأولي العزم وغيرها..

  • بين الإطلاق الوصفي والاصطلاحي:

حين يسم الله جميع الأديان بـ (الإسلام)، ويطلقه عليها، فهل وسمه وإطلاقه هذا (وصفي)، مع وضع اسم خاصّ لكلّ منها يشكل (عَلَماً) يخصّه كـ (الحنفية) و(اليهودية) و(المسيحية)، أم هو (عَلَم) لجميع الرسالات، وما الأسماء الأخرى إلا فرعية توضيحية؟

1- الإطلاق الوصفي:

يرى البعض أنّ إطلاق (الإسلام) على مجموع الأديان السماوية هو وصف ونعت لها - لا علَم عليها -، والمراد به: التسليم لله، والخضوع والانقياد له.

ويستدلّ هؤلاء بقول أمير المؤمنين علي : "لأنسبنّ الإسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي: الإسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل"(17).

يقول السيّد الطباطبائي في تعليقه على قوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ: "إنّ الدين عند الله - سبحانه - واحد لا اختلاف فيه، لم يأمر عباده إلا به، ولم يبيّن لهم فيما أنزله من الكتاب على أنبيائه إلا إياه، ولم ينصب الآيات الدالة إلا له، وهو الإسلام الذي هو التسليم للحقّ، الذي هو حقّ الاعتقاد وحقّ العمل، وبعبارة أخرى: هو التسليم للبيان الصادر عن مقام الربوبية في المعارف والأحكام"(18).

ويقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تعليقه على هذه الآية: "(الإسلام) يعني التسليم، وهو - هنا - التسليم لله، فإنّ معنى ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ: أنّ الدين الحقيقي عند الله هو التسليم لأوامره وللحقيقة. في الواقع لم تكن روح الدين في كلّ الأزمنة سوى الخضوع والتسليم للحقيقة، إنّما أُطلق اسم (الإسلام) على الدين الذي جاء به الرسول الأكرم؛ لأنّه أرفع الأديان"(19).

2- الإطلاق الاصطلاحي:

ويرى أصحاب هذا الرأي أنّ (الإسلام) اسم عَلَم لجميع الأديان السماوية وإن اشتُهر إطلاقه على الدين الخاتم الذي جاء به النبي الأكرم محمد .

يقول الدكتور محمد رشاد سالم: "ومع أنّ الإسلام هو دين الأنبياء جميعاً، فقد تعارف الناس على أنّ كلمة (الإسلام) يُقصد بها اليوم الدين الذي أُنزل على محمد .

وعلى ذلك فالإسلام دين عام؛ لأنّه دين البشرية كلّها في كلّ زمان ومكان، بل.. هو دين الثقلين: الإنس والجنّ، والإسلام بصورته الأخيرة الكاملة التامة هو الدين الذي أُنزل على محمد ، وهو خاتم الرسل، ورسالته خاتم الرسالات، فلا يقبل الله من الناس ديناً سواه"(20).

 




(1) سورة آل عمران، الآية 19.
(2) سورة يونس، الآية 72.
(3) سورة البقرة، الآية 128.
(4) سورة الذاريات، الآية 31- 36.
(5) سورة البقرة، الآية 132.
(6) سورة البقرة، الآية 133.
(7) سورة البقرة، الآية 133.
(8) سورة يوسف، الآية 101.
(9) سورة يونس، الآية 84.
(10) سورة الأعراف، الآية 126.
(11) سورة يونس، الآية 90.
(12) سورة النمل، الآية 31.
(13) سورة النمل، الآية 44.
(14) سورة المائدة، الآية 111.
(15) سورة الأنعام، الآية 162- 163.
(16) سورة الحج، الآية 78.
(17) نهج البلاغة/ 491، قصار الحكم، الحكمة 125.
(18) الميزان في تفسير القرآن 3/ 120.
(19) الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل 2/ 314.
(20) الدكتور محمد رشاد سالم، المدخل إلى الثقافة الإسلامية/ 204.