الإمام المدرسي : نحذر من ثقافة (أنا ربكم الأعلى) الاستبدادية التي ورثناها فهي بالضد
قال سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المُدرّسي (دام ظله) أن :” النظام الاسلامي نظام متين وفيه من عناصر القوة والاستقامة مالايتوفر في سائر الانظمة الاّ قليلا، مايمكن أن تتفجر به طاقة حضارية و بنائة ومبدعة هائلة في العالم الاسلامي والعالم اجمع كما كان الحال في تلك العصور المشرقة من تاريخ الإسلام..”. متسائلا:” ولكن لماذا مع ذلك كله نجد المسلمين في فوضى وتخلف منذ أمد ليس بقليل ولغاية يومنا هذا؟ “
واوضح سماحته في كلمته الاسبوعية التي القاها بمكتبه في كربلاء المقدسة بحضور حشد غفير من الوفود والزوار، أنه :”منذ أن تكالبت القوى الجاهلية وبالتعاون مع الموتورين في داخل الأمة على محاصرتها من طرفيها، غربا عبر الحروب الصليبية وشرقا عبر الإجتياح التتري، تفشت في الأمة الانظمة الاستبدادية الشمولية ، ومنذ ذلك الحين فقدت الأمة عنفوانها ودخلت في نفق السبات الحضاري فإذا بها تمزقت واذا بالثقافات المتخلفة تسربت الى ادمغة المؤسسات الموجهة للأمة، والدين الذي جاء نقيا طاهرا زكيا احاطت به شوائب العصبيات الجاهلية و لا زلنا نعيش هذه المرحلة للاسف الشديد”
- التخلف الحضاري يعني “ابتعاد” عن الأسلام الحقيقي
وأضاف سماحته أن :” ما جرى ويجري في العالم الاسلامي من تمزق وصراعات دموية ومن تخلف حضاري كل ذلك يعني اننا لا زلنا نعيش مرحلة الغيبوبة والسبات الحضاري، ويعني الابتعاد عن تلك الشفافية والنقاء في ذلك المثال و النظام الأسلامي الأول والحقيقي”، موضحا أن :” النظام الاسلامي الحقيقي قائم على اسسس الكرامة والحرية و المساواة والانطلاق و الانفتاح.. بينما هذه الثقافات الجاهلية التي دخلت حتى في تفسير القرآن وحرفت كلمات النبي واهل بيته تذهب بإتجاه آخر مغاير تماما”.
وفي هذا السياق اشار سماحته الى أن :” الدكتاتوريات التي حكمت البلاد الاسلامية كسلاطين آل عثمان في العصر الحديث وماتبعها ، فرضت على البلاد الاسلامية نظاما دكتاتوريا شموليا وقمعيا في شتى الجوانب والبسوا هذا الحكم المستبد الذي لا يمت الى الاسلام بشيىء لباسا دينيا !”. وأضاف بالقول :” بعد اولئك ونظمهم المستبدة جاء من الخارج والداخل من يرثهم ويشبههم في طريقة التفكير والثقافة وطريقة الحكم، ففرض بعضهم بعد بعض على الناس انظمة وحكومات مستبدة وصولا الى النظام المقبور في العراق “.
- الدكتاتورية وثقافة الاستبداد تجذرت في الأمة وحولتها الى “أسياد وعبيد”
واضاف سماحته أن :” الدكتاتورية وثقافة ونظم الاستبداد قامت وتقوم على سلب الحريات والكرامة وهدر وسحق حقوق الناس والقانون والقضاء..والمشكلة الكبيرة ان هذه الطريقة في الحكم وهذه الثقافة ترسبت في الأدمغة والنفوس وتفشت عموديا وافقيا في العراق وسائر بلاد الأمة”، مشيرا الى أن :” آفة الدكتاتورية وثقافة الاستبداد حينما تتحول الى ثقافة سائدة في المجتمع من كثرة معايشته لظروف القهر والخوف يبدأ المجتمع بفقدان ذلك الافق الألهي الرحيب الذي وهبهم الكرامة فينحسر التفكير الى إطار ضيق ومحدود ومأزوم”.
- لا نريد هذه “الثقافة البائسة” بل شعبا حرا مفكرا و قانونا عادلا
واوضح سماحته أن :” من نتائج ثقافة الاستبداد والدكتاورية التي سادت في الأمة أن ترى الكثيرين حين يبدأون بتشكيل احزاب ومؤسسات فإن هذه أيضا تسير على نفس منوال وطريقة الثقافة السابقة من الهيمنة والدكتاتورية وكأن رئيس الحزب هو السلطان او أن اللجنة المركزية هم الأساس والأسياد وعلى الناس القبول والتسليم وهذا خطأ فادح”. وتابع سماحته بالقول :” نحن لا نريد هذه الثقافة البائسة بل نريد شعبا حرا مفكرا فاعلا ونريد قانونا عادلا شفافا وليس حالة من حالات الاستبداد البعيدة عن الدين وعن الاخلاق لتحكم البلاد والعباد.. فهذه هي الثقافة الخطأ وهي تنتج وتسبب الاخطاء الاخرى، ذلك لإن الناس اذا صاروا كلهم عبيد وكان هذا الحزب او ذلك قيما عليهم او كنت أنا او أنت المتسيد عليهم فإنهم بذلك انطووا على انفسهم وصار الشعب كله مجرد ارقام ليس لها قيمة فيصبح البلد كله بلا قيمة..”
- المؤسسات والأحزاب الدينية وخطر اصابتها بثقافة (أنا ربكم الأعلى) الدكتاتورية
وأكد سماحته في هذ االسياق أن :” الاخطر من ذلك أن هذا النوع من التفكير قد يدخل حتى في المؤسسات الدينية، فالدين عموما وبالذات الدين الاسلامي، فطرة الله التي فطر الناس عليها، فطرة الكرامة و فكر المساواة وروحه روح الحرية والمسؤولية، فالمؤسسة الدينية التي أسست على اساس الكرامة والحرية اذا أبتليت هي الاخرى بالعصبية الجاهلية والانانية والحزبية وبضيق التفكير، فإنها بهذه الآفة تصبح كما تعبير المثل الشعبي القائل : حاميها حراميها..” واضاف سماحته:” نحذر من ثقافة (أنا ربكم الأعلى) هذه الثقافة الدكتاتورية والتحزبية المقيتة والنظم الاستبدادية التي ورثناها من التأريخ البعيد والقريب، فهذه النظم وثقافة العصبية والانانية والاستعلاء على الأخرين ، خاطئة فاسدة ولاتنتج سوى الخطأ و الفساد والتخلف وهي بعيدة كل البعد عن سيرة ونهج نبي الرحمة والتواضع والسماحة محمد والأمام علي وسائر أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين.. فالمسلمون وهم اقلية حينها في المدينة المنورة أنما صاروا سادة وحكاما وولاة على العالم، لإن النبي بسيرته ونهجده وبالقرآن الكريم، رباهم على الكرامة والحرية والانفتاح والأنطلاق، وليس على التمايز والفخر والاستعلاء فيما بينهم او على سائر الناس”. واضاف سماحته أن :” المؤسسات الدينية، والاحزاب الدينية،و المرجعيات الدينية، وكل شيء مرتبط بالدين، اذا رأيتم فيه أي نسبة من العصبية والتحزب والانانية والتنابز والصراعات بدلا من التعاون والاستباق والتنافس الإيجابي في الخيرات، و تفضيل النفس بالاستعلاء على الأخرين، وماشابه، اعرفوا أن هذا يعني ابتعاد عن الدين بنفس النسبة.. ولذا أيها الأخوة : يجب أن تنتبهوا جيدا، فهذه روح الدكتاتورية و ثقافة الاستبداد، ثقافة العصبيات الجاهلية، تسربت في مجتمعاتنا ويجب أن نعمل لكي نتخلص منها، فالأنسان يجب أن يكون عبد الله وليس سواه سبحانه، انتبهوا أن الذات البشرية حجاب بين الانسان وبين ربه، والأنا والهوى حجاب، وكلما توغل الناس في الانانيات والعصبيات احتجبوا عن ربهم سبحانه ومن احتجب عن الله تعالى في الدنيا هو محجوب عنه يوم القيامة، ومن كان في هذه اعمى فهو في الاخرى اعمى واضل سبيلا “، وتابع سماحته قائلا:” انتبهوا و اعبدوا الله ولا تعبدوا ذواتكم ومصالحكم ومناصبكم بإسماء وأسباب ومعاذير ما انزل الله بها من سلطان، اقتربوا الى روح القرأن وسيرة النبي وسيرة اهل البيت ، ونهضة ومدرسة وسيرة الأمام الحسين الذي نهض لإحياء وإنقاذ دين الله من هذه الانحرافات ولكي تزيح الأمة عنها وحول العنصريات والعصبيات الجاهلية و ثقافة الأستعباد للحاكم والكراسي”.
- الاحزاب و الكتل و الطوائف: بأي إسلوب وتعامل تدار الأمورفي العراق ؟
وبشأن الاوضاع في العراق قال سماحة المرجع المُدرّسي في كلمته:” يا ايتها الاحزاب و الكتل، ايتها الطوائف والمذاهب، أنتم في العراق الذي كان حاضرة العلم والحضارة، وكان حاضرة العالم الاسلامي في يوم من الأيام وعاصمة الامام امير المؤمنين الذي كان حكمه مثلا ً في العدالة والحرية والكرامة وفي كل خير، اذا اصلحتم انفسكم وصلتم الى ذلك النظام الاسلامي المتين الذي فيه ركائز القوة والاستقامة وستؤثرون في العالم الاسلامي كله وتكونوا مثالا جيدا ليحتذى به، أما إذا استمر الحال على ماهو عليه، فيسمع ويرى العالم مايجري في العراق من صراعات وازمات، واتهامات متبادلة وهجمات وتصنيفات بين شيعي وسني وماشابه، وعمل بمجموعة من الافكار الباطلة و العصبيات، فأن هذا لايمثل انموذجا ناجحا ومأمولاً في الأمة، أنما هي آثار تلك الأيام من الاستبداد وثقافة التخلف الحضاري”.
وأضاف سماحت أن :” البعض حينما يصبحون في سدة الحكم تراهم ينجرون ويريدون أن يمارسوا نفس الاسلوب والترتيب الخاطىء والسقيم في تنفيذ وممارسة مسؤولية الحكم ، ولايتعظون من التجارب السابقة، ولذا سنبقى في حلقة مفرغة من المشاكل والازمات إذا استمر كل واحد و جهة بالتعالي وتفضيل وتزكية نفسه وجماعته على الأخرين، فيا ايها الأخوة في دورات المجلس النيابي والحكومة ومجالس المحافظات، و أي مجلس وادارة اخرى ، وقد اعطاكم ربكم هذه الفرص للتغيير والأصلاح، فانظروا الى الناس بعين واحدة، و اعملوا من اجل تكريس القيم وتعاونوا وتشاوروا في ما بينكم مشورة حقيقية وليكن هدفكم العدل والقسط والبناء والصالح العام ، فإنكم اذا وصلتم الى هذه الحالة وعلم الله منكم نية الاخلاص والجد، يبارك تعالى لكم ويدفع عنكم كيد الاعداء ويألف بين قلوبكم”. وأضاف سماحته:” لقد حذرنا كثيرا، وكفانا ونحن نحذر دائما ، فالناس لايقبلون منكم هذا الاسلوب في التعاطي مع الأمور، اقرؤا سيرة النبي وسيرة الامام علي والاسلوب الحق والعدل في التعامل والادارة لشؤون البلاد والعباد، ارجعوا الى تاريخ الاسلام المشرق، تاريخ العلماء و المراجع واجعلوه نصب اعينكم، فنحن نريد روح السماحة، روح الاصلاح و الايمان والاخلاق الحسنة .. فأنتبهوا واجمعوا قوتكم وطاقاتكم وائتلفوا وتعاونوا فيما بينكم، فإذا اجتمعت قلوبكم عرفتم الله تعالى،وعرفتم النظام الديني القويم والشفاف القائم على اسس متينة من عناصر القوة والاستقامة ، من العدل والكرامة والحرية والمساواة”,
وفي ختام كلمته اشار سماحته الى أن :” بيوت الله تعالى من مساجد وحسينيات وسائر مراكز الدين والعبادة يجب أن تخرج من دائرة التمذهب والعصبيات الضيقة تحت مسميات فلان مرجعية وفلان مذهب وطائفة ، فهذا خطأ وفاحشة تؤدي الى صراعات بل ومحاربة لله تعالى تحت بافطة الدين ! فهذا الارهابي الذي قتل الناس في جامع او حسينية بمنطقة الكسرة إنما قتل زوار الله ، فماهذا النوع من التفكير الفاشل والمنحرف، وهنا لا أفرق بين هذا الذي أجرم في منطقة الكسرة والاخر الذي يمنع مسجدا من مساجد الله لمجرد انه لا ينتمي الى خطه ومذهبه وتفكيره., وفي الدنيا سترون جزائكمـ أن يسلب الله منكم ما اعطاكم، فما أعطاكم هو امتحان لكم، ولافرق بين مسجد وحسينية ومركز ديني .. وربنا تعالى لا ينظر الى ما عندك من بعض المظاهر في الدنيا ، وسوف يتبين للجميع يوم القيامة المخبر والجوهر وحقيقة القلوب والنيات”.