قارون وجنون الثروة ( 1 من 2 )
قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) سورة القصص
عندما يتقلب الإنسان في نعمة من نعم الله تعالى، كثيرا ما تشغله النعمة عن المنعم، فيظن أنه حاز ما حاز عن استحقاق وجدارة، وأن قدراته وإمكانياته الخاصة هي التي أهلته لذلك، فيذهب بعيدا في الشطط، ويتمادى في الغي، ناسيا أن ذاته ووجوده وكل ما يتعلق بهما هو من الله تعالى الذي (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلٰکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) ﴿سبأ، 36﴾
قارون نسي ربه فأنساه الله نفسه، ولذا قال بكل بجاحة في رده على نصيحة المخلصين من قومه:(إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي)، وهي عبارة تكشف عن ذاته المتورمة الحاضرة بقوة في كلماته. هكذا يحيط بالإنسان الغرور فيرديه في المهالك دون أن يشعر.
- وقفات:
1 - الإنسان بطبيعته مفتون بالنعمة، مأخوذ بها، حتى إنها تنسيه ربه الذي أولاه إياها. وقليل هم الذين يجتازون امتحان النعمة بنجاح. هذا ما يؤكد عليه القرآن الكريم في أكثر من موضع. منها قوله تعالى:(فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) الزمر:49 ، وقوله: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ) ﴿فصلت، 51﴾.
ويظهر ذلك جليا أيضا في قصة ذي الجنتين التي قصها القرآن الكريم في سورة الكهف في الآيات 32 إلى 44 .
2- في سورة المعارج توضح جملة من الآيات المباركات صفات الإنسان المستثنى من حالة الافتتان ونسيان الله تعالى، ورأس هذه الصفات وأمها هي كونه من المصلين. يقول تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (22). وهذا يدل على دور الصلاة – إذا أديت على وجهها – في إحداث التوازن النفسي عند الإنسان. فالمصلون الحقيقيون يتصفون بصفات عالية فصلتها الآيات 23 إلى 34 من سورة المعارج.
3- قوله: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) قد يشير إلى حالة إعراضه عن الله سبحانه وتعالى، حيث أسند الفعل للمجهول، بينما كان قومه يذكرونه بمصدر نعمته: (وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ).
هذا ليوم ، فهناك وقفات أخرى في هذا المقام سأتركها للمقال القادم بإذن الله