بيان شهر رمضان المبارك للإمام المدرسي دامت بركاته
اتباع بصائر الوحي عز الأمة
بمناسبة شهر رمضان المبارك، شهر التزكية والإنابة والتقوى، أصدر سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي دام ظله البيان التالي موجها خطابه للمؤمنين في كل مكان:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وافضل الصلاة على خاتم النبيين محمد وآله الطاهرين.
وهبت نسائم الرحمة من جنان الخلد على أفئدة الصالحين من عباد الله، فطابت وطهرت وأنبتت شتائل الحب والايمان، تلك نسائم ربيع القرآن، وتلك جنان شهر الله الكريم، شهر رمضان الذي باركه الرب، وبارك من أحياه بالعبادة، فطوبى له وحسن مآب.
- أيها المؤمنون
إنها فرصتكم، فلا تفوتكم بالغفلة عنها، ولا تحجب رحمتها عنكم شهوات الدنيا ووساوس الشيطان. إنها نفحة رحمانية، فتعرضوا لها فيمن يتعرَّض لها، ولتنظر نفسٌ كيف تربح فرصتها قبل أن تصبح غصّةً لها إلى الأبد.
- حياة القلب:
1ـ إن شهر الله الكريم، كما نهر جارٍ فليغسل أحدنا في عذب مائه قلبه من غبار الغفلة، ووسخ السِّنة، ووساوس الشك، وخور العزيمة.. إنه حياة القلب، فإذا وفَّقنا الرب فيه فإن فيوض الرحمة تترى علينا، لأن القلب الحي يتلقى حكمة الرب، ويفيض بصالح النيات، والنية الصالحة تنبت كل عمل صالح بإذن الله.
حين نقرأ كتاب ربنا، وحين نتلو أدعية مأثورة في الاسحار وعند الافطار، وحينما نستمع إلى عضة الواعظين، كل تلك الفرص الطيبة نستفيد منها في تطهير القلب من الشك، ومن الضعف، ومن الغفلة، ومن كل مرض خلقي خطير، مثل: الحقد، والحسد، وسوء، الظن، وكل فاحشة باطنة.
- طهارة النفس:
2ـ إنّ طهارة النفس تتجلّى في كافة أبعاد السلوك، أوَ تعلمون لماذا؟ لأنها توفر للإنسان بصيرة نافذة، فإذا بالمؤمن ينظر بنور الله فيعرف الحق ليتبعه، ويشخِّص الباطل ليباعد عنه. وهكذا يستقيم سلوكه على خط السلامة؛ السلامة ممّا يضر بدينه ودنياه؛ السلامة من شِراك الشيطان وشبهاته ووساوسه، والسلامة من غواية سلطان سَوْء، وصاحب سَوْء، وحتى من غواية من يتظاهر بالدين ليخدع عباد الله، ويتحدث بإسم الإسلام والإسلام منه بريء.
إنّ علينا أن نجتهد بكل وسيلة ممكنة للإهتداء إلى الصراط المستقيم بالدعاء وبالإستنارة بضياء كتاب الله وما في كلمات النبي وأهل بيته من كلمات رشد.
إننا في عصر سَوْء، لإن كل فرد منا يتعرض يومياً لموجات هائلة القوة من الضلالات المتنوِّعة، ومن دون التحلي ببصائر الوحي فأنّى لنا النجاة من شرها المستطير؟
إنّ الذين يدعون إلى التسليم للطغاة، والسكوت أمام جرائمهم، ويبِّررون للناس المنكرات، ولا يتناهون عن الفساد في الأرض، ويتخذون القرآن عضين، فيؤمنون بما يحفظ مصالحهم، ويكفرون بما وراءه طلباً للسلامة، إنّ أكثرهم أبواق الشياطين من حيث يشعرون أو لا يشعرون. إنّ على الناس أن يختاروا لدينهم الأمناء الذين لا يدعون الناس إلى أنفسهم بل إلى الله سبحانه ووصاياه.
- القيادة القرآنية:
وهكذا ينتفع المؤمنون من بصائر الوحي في التعرف على الرجال الذين ينبغي أن يتبعوهم، بل أولئك الرجال الذين قال عنهم ربنا سبحانه: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾(النحل،43ـ 44). وأهل الذكر هم فريق من العلماء بالله يجب أن يُعرفوا من خلال قوله سبحانه: ﴿ رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ﴾(النور،37).
إنّ عدم الاهتمام الموازين القرآنية في اختيار القيادات الدينية هو المسؤول عن كثير من الكوارث التي أصابت الأمة. وهل يعذر من اختار لدينه من يداهن إولي الثروة والقوة طلباً للسلامة، وهرباً من تحمل المسؤولية الإلهية، وقد بَيَّن ربنا سبحانه صفات الأحبار (العلماء) الذين يتصدون لتطبيق الكتاب حينما قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلاَ تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ ﴾ (المائدة،44).
إنّها شروطٌ أربعة، لو فُقِدَ واحد منها إنعدمت صلاحية الحِبْر (العالِم) أن يكون عالِماً بكتاب، ربه، مستحفظاً عليه، وأن يقيم على نفسه وعلى الناس حروفه وحدوده، ظاهره وباطنه، وأن يستقل عن أصحاب الثروة وأولي السلطة، فلا يبيع كتاب الله وما فيه من أحكام بما لدى الأثرياء من مال، ولا يخاف في تطبيق كتاب ربه أحداً من أصحاب القوة والسلطة والصولجان.
وشهادة التاريخ دلَّت على أنّ أمتنا كلما اختارت العلماء بالموازين القرآنية ممن توافرت فيهم شروط العلم، والزهد، والشجاعة، كلّما أنزل الله عليهم النصر، وأعزَّهم في دنياهم، وذلك ثوابه لهم في الدنيا، وعند الله في الآخرة لهم أجر عظيم.
- حياة الكريمة:
3ـ وإذا وفَّقكم الرب لانتخاب العلماء الربانيين، فإنكم سوف تختارون أصحابكم ورفاق سبيل الإصلاح من سائر المؤمنين، وسوف تتلاحمون مع بعضكم البعض في السير حثيثاً إلى حيث الحياة الكريمة والعزيزة، والطهر والتقدم بإذن الله تعالى.
لقد كان على المسليمن التمسك بالكتاب، والتسليم بقيادة الرسول صلى الله عليه وآله، وذلك كان معنى إعتصامهم بحبل الله في ذلك اليوم، حيث قال ربنا سبحانه:﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (آل عمران،101).
أما بعد الرسول صلى الله عليه وآله، فإنّ الإعتصام بحبل الله تمثَّل في تلاوة كتابه، واتّباع خلفاء الرسول، الأئمة الاطهار عليه وعليهم الصلاة والسلام. أما اليوم فإنّ ذلك يعني التمسك بالكتابّ وطاعة العلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه. إنّ ذلك يعني الإعتصام بحبل الله، وهو أمان للإمة من التفرقة، حيث يقول ربنا سبحانه:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا ﴾... (آل عمران،102ـ103).
إن التفرقة التي تصيب الأمة بعد إنتخاب القائد الرباني، وبعد الإعتصام بكتاب الله، إنها لا مبرر لها أبداً، وسيُحاسب الناس عليها، سواءً كانت تفرقة حزبية أو قومية أو عنصرية. كلا، إنهم يومئذٍ أمة واحدة بمعنى الكلمة، كما قال ربنا سبحانه: ﴿ِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء،92).
وجاء في حديث مأثور عن النبي المصطفى صلى الله عليه وآله، أنه قال لبعض أصحابه ذات يوم: (يا عبد الله، أحِبَّ في الله، وأبغض في الله، ووالِ في الله، وعادِ في الله، فإنه لا تُنال ولاية الله إلا بذلك، ولا يجد رجلٌ طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك، وقد صارت مواخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا، عليها يتوادّون وعليها يتباغضون، وذلك لا يُغني عنهم من الله شيئا).[1]
- نهج المؤمنين:
4ـ إنّ تآخي المؤمنين فيما بينهم في الله يجعل صفهم واحداً، كأنها بنيان مرصوص، فلا يجد الشيطان ـ سواء كان من الجن أو من الإنس ـ ثغرة لاختراقه، فيزدادون عزماً وقوة، وذلك لإنهم يتبادلون العزيمة بالتواصي بالحق وبالخير وبالرحمة وبالصبر.
إنّ التواصي يمثِّل نفحة روحانية تحيط بأولياء الرب، ينشد كل واحد منهم عزيمة صاحبه، ويصبِّره، ويأمره بالاستقامة، ويوصيه بتقوى الله وطاعة وليّ الله، ويمسح عن قلبه رين الغفلة، وسِنَة الكسل، ويواجه معه عادية الوساوس والشبهات، وأطراف الشك والشرك.
وإذا كانت العزيمة تشتد، والنية تتوافر، والإرادة تقوى عبر التواصي، فإنه بالتشاور يزداد العقل، وتستنير البصيرة، وهكذا أمرنا الربّ تعالى بأن نتشاور حين قال سبحانه في صفة المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ (الشورى،38). وأَمرً القيادة الربانية بالمشورة، فقال: ﴿...وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾(آل عمران،159).
وجاءت الأحاديث المأثورة عن المعصومين، عليهم السلام، مؤكدة على التشاور، فأعقل الناس مِنْ جمع عقول الناس إلى عقله، وأعلمهم من جمع علمهم إلى علمه، ومَنْ شاور الرجال شاركها في عقولها، وما خاب من استشار. هكذا أمرتنا روايات النبي وأهل بيته عليه وعليهم الصلاة والسلام.
وبعد التواصي والتشاور أمرنا الرب بالتعاون وقال: ...وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ((المائدة،2). وبالتعاون يزداد الجمع قوة، لأنّ القوى الفردية إذا تراكمت تضاعفت بإذن الله أضعافا كثيرة.
وإذا كان توافر كل هذه الصفات مستصعباً عبر المجتمع الإيماني الكبير، فإنه ميسور عبر التجمعات المحدودة. فكل فئة من المؤمنين ينفذِّون تلك التعاليم فيما بينهم حتى يصبحوا قوة تتكامل مع فئات أخرى تنضوي تحت راية ولاية ربانية واحدة.
بلى، إن الظروف السياسية والاجتماعية المعاكسة تجعل هذه الفئات في وضع صعب، فلابد أن يستعين المؤمنون عندها بالكتمان، حيث أُمروا بذلك حتى جعل الله سبحانه التُقاة وسيلة لدرء شر الكفار، وقال: )لاَ يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ((آل عمران،28). وجاء في تفسير قوله سبحانه: )وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ( إنّ الحسنة هنا هي التُّقاة.
وفي رواية مأثورة عن الإمام الصادق عليه السلام: (التقاة ديني ودين آبائي) كما جاء في حديث آخر: (إستعينوا على أموركم بالكتمان) وفي حديث بالغ الاهمية يقول الإمام عليه السلام عن المؤمن: (وكتمانه لسرّنا جهاد في سبيل الله).
- أيها الأخوة:
إن النبي صلى الله عليه وآله، هدم أساس الشرك بيد قوية وبنى بنيان الأمة بيدٍ أخرى. والهدم أساس البناء، ولكن الذي يهدم ولا يبني فإنه كمن يستصلح أرضاً ولا يزرعها، ويسرج فرساً ولا يمتطيه. إننا اليوم في حاجة ماسة إلى إعادة بناء الأمة عقائدياً وثقافياً وخلقياً وإقتصادياً وسياسياً. ولن يكون ذلك إلا عبر خطة حكيمة، وصبرٍ دؤوب، واستقامة لا تلين. وهذا بالذات مسؤولية القادة والموجهين من العلماء والخطباء المرشدين، فلا يجوز أن نردد الشعارات الفارغة ونكتفي بها عن العمل الصالح، أليس سبحانه ربنا يقول: )وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى((النجم،39). أو ليس يقول عز من قائل: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه ﴾ (الزلزلة،7 ـ 8).
أفلا تتلون كتاب ربكم حين يصف المؤمنين؟ ألا يصفهم بالاجتهاد والكدح، وأنهم قليلا من الليل ما يهجعون، ولهم في النهار سبحاً طويلاً، وغدا حين تُنصب الموازين الحق: ﴿ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ ﴾ (القارعة،6ـ11).
أقول: هل تُثقل الموازين بهذه التمنيات والتبريرات، أم بالمزيد من العمل الصالح والجهاد في سبيل الله؟
إنّ علينا أن نعود إلى كتاب ربنا وهداه وضياءَه، ونتخذ من منهاجه برنامج سلوك، ولا نفرِّط في مصيرنا الخالد، ونترك المعاذير التافهة، ونسارع في الخيرات، ونواصل الليل بالنهار في كل عمل صالح. فمن استصلح أرضاً وزرعها أو عمرها، ومن طلب علماً لخدمة المجتمع، أو تفَّقه لخدمة دين الناس وإصلاح أخلاقهم، ومَنْ بنى مستشفى أو مدرسة، أو أسس جامعة، أو عَبَّدَ طريقاً، أو عَمّر مسجداً أو حسينية، فكل ذلك عمل صالح. ومَنْ كَفّ يد ظالمٍ، ونصر مظلوماً، وأقام عدلاً، وشهد بالقسط، فإنه عمل صالح. وبالتالي: العمل الصالح كل خيرٍ للعباد والبلاد، لدين الناس ودنياهم، والله سبحانه قد فصّل ذلك في كتابه الكريم، وَبيَّنه نبيه الاعظم وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم اجمعين بياناً شافياً، فما عذر من قصَّر فيما ينفعه، وَجَّر على نفسه الخسران.
- أيها المسلمون:
إنّ السُّبات الحضاري الذي أصاب الامة الاسلامية قروناً متطاولة، فجعل تلك التي وصفها ربنا سبحانه بأنها خير أمةٍ أُخرجت للناس، جعلها مجتمعات مستضعفة، تتحكم فيها الجبابرة والظلمة، وتتداعى عليها الامم من أطرافها، ويستشري في أبعادها الضعف والتخلف والمرض والخوف.
أقول: إنّ كل تلك التبعات التي إعترت الامة بسبب سُباتها الحضاري، إنما كانت بسبب إبتعاد الامة عن رسالتها، وعن نور القرآن، وهدى الرسول وأهل بيته عليه وعليهم السلام.
وسوف تبقى هذه التبعات ما دامت الامة بعيدة عن بصائر الوحي. وإنما بالتوكل على الله، والثقة بنصره، وبالقيام بنهضة شاملة من قبل كل أبناء الامة، نعود بإذن الله وبنصره الموعود إلى التغلب على الضعف، والتخلّف، والتبعية. وها هي نفحات الرحمة الالهية تترى علينا، وانتفاضات الشعوب المسلمة تتوالى، وعروش الطغيان تتهاوى الواحد تلو الآخر. وإنَّ علينا ونحن نستقبل شهر الرحمة أن ننتهز هذه الفرصة، ونجأر إلى الله سبحانه بأن يعجِّل لنا النصر، ويزيدنا بصيرة بواجباتنا الإجتماعية، وعزماً لمواجهة التحديات الحضارية، وإستقامة حتى تحقيق النصر المؤزّر. والله المستعان.
محمد تقي المدرسي
كربلاء المقدسة
28 شعبان المعظم 1433 هـ