الشيخ النائيني مدافعا عن الحرية والمساواة (2)
تحضر مفردة الاستبداد بقوة في رسالة "تنبيه الأمة وتنزيه الملة"، وربما لهذا الأمر اختار الدكتور توفيق السيف عنوان كتابه الخاص بهذه الرسالة ليكون(ضد الاستبداد). في المقدمة يقوم الشيخ النائيني بتحليل حقيقة الاستبداد وعلاقة السلطة به والضمانات التي تمنع أو تقيد الاستبداد والعلاقة بين الاستبداد والعبودية وبيان الاستبداد بنوعيه السياسي والديني.
وفي الخاتمة يقوم بتشخيص الاستبداد مستقصيا قواه ومفاعيله ليخلص بعد ذلك إلى علاج هذا الداء الوبيل. وبين المقدمة والخاتمة حديث عن السلطة وصورها وعن الوسيلة المتيقنة والمأمونة لتحديد السلطة من خلال الحرية والمساواة باعتبارهما الركنين الأساسيين للمشروطة أو السلطة المقيدة أو الدستورية، وحديث دفاعي يرد فيه على إشكالات ومغالطات واتهامات الخصوم في مسائل الحرية والمساواة والدستور وهيئة المراقبة ومجلس الشورى.
يقسم الشيخ النائيني السلطة إلى قسمين: تمليكية وولايتية، ولكل واحد من هذين القسمين صورة عدل وصورة جور. في التمليكية الجائرة "ينظر صاحب السلطة إلى وضعه في البلاد، كما ينظر المالك العادي إلى أملاكه الشخصية، فيتصرف فيها تصرف المالك المسلط على ما تحت يمينه، دون حدود أو قيود"، كما إنه لا ينظر إلى استصلاح البلاد والعباد باعتباره واجبا ومسؤولية شرعية ووطنية، بل هو أمر مرهون بميوله ورغباته، إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل، وإن شاء فعل العكس أيضا كما هو الغالب في سلوكه.
ويرى الشيخ النائيني أن هذا النوع من الحكم على درجات من الجور والتسلط تتناسب عكسيا مع الوعي الشعبي، فكلما ارتفع الوعي الشعبي تنازل الثاني والعكس بالعكس. كما يتحدث عن إعادة إنتاج الاستبداد داخل المجتمع نفسه، "فالفرد المقهور يسعى من جانبه إلى قهر من هم دونه".
أما التمليكية العادلة فهي نادرة جدا، وتشوبها الثغرات الكثيرة التي على رأسها غياب إرادة الشعب، وكون العدالة مرهونة بإرادة الحاكم يعطيها على أساس التفضل لا الاستحقاق.
الصورة الأخرى للسلطة هي الولايتية التي تكون فيها السلطة محدودة بالقدر الذي يتطلبه القيام بأمر الولاية، باعتبارها أمانة، والشعب شريك للسلطان وقادر على محاسبته ومساءلته. وهذا النوع هو الذي يطلق عليه المشروطة أو الدستورية.
ولكي يمنع تحول هذه السلطة إلى مستبدة يرى ضرورة وجود ضمانتين هما: الدستور، والرقابة والمحاسبة من خلال مجلس شورى يتمتع بتلك الصلاحيات.
ويؤكد الشيخ النائيني على "أن الحرية والاستبداد هما المعلمان الرئيسيان اللذان يميزان بين الحكومات العادلة ونقيضتها الجورية". ويرى أن الاستبداد وجه من وجوه العبودية في صورتها المرذولة، وأن ممارسي الاستعباد على قسمين: الجبابرة الذين يستعبدون الأبدان، وعلماء السوء الذين يستعبدون القلوب والعقول لتحقيق مصالحهم الشخصية. من هنا فإنه يقسم الاستبداد إلى ديني وسياسي، وإذا اجتمع الاثنان وتكاتفا كان الخلاص من السياسي أشد صعوبة لأنه لا يتحقق قبل الخلاص من الاستبداد الديني.
وفي سياق إنكاره للاستبداد وإعلائه لقيمة الحرية، فإنه يعد الخلاص من الاستبداد "من مراتب التوحيد ولوازم الإيمان الخالص بالوحدانية، في مقام الأسماء والصفات، فوق أنه علامة على الإقلاع من مستنقع البهيمية والنشأة النباتية، إلى عالم الشرف والمجد الإنساني".
إن الذي ينظر للحرية بهذا المنظار فإنه سيكون مستعدا بلا شك للسعي بكل ما يستطيع لتحقيقها في حياته الشخصية والاجتماعية.