الشيخ النائيني مدافعا عن الحرية والمساواة (1)
اقترن اسم الشيخ الميرزا محمد حسين النائيني (1273-1355 هـ) دائما برسالته السياسية الفقهية "تنبيه الأمة وتنزيه الملة" رغم سحبه لها من الأسواق لاحقا لأسباب اختلف المؤرخون في تحديدها. الشيخ النائيني بلغ أعلى المراتب العلمية، فكان مرجعا عظيما من مراجع الإمامية في القرن الماضي، وأستاذا لمراجع عظام آخرين كالسيد محسن الحكيم والسيد الخوئي اللذين هما أشهر من أن يحتاجا لتعريف.
يقول عنه الشيخ أغا بزرك الطهراني مبينا مكانته العلمية :" أمَّا هو في الأصول فأمر عظيم ، لأنه أحاط بكلِّيَّاته ، ودقَّقَه تدقيقاً مدهشاً ، وأتقنه إتقاناً غريباً . وقد رنَّ الفضاء بأقواله ونظرياته العميقة ، كما انطبعت أفكار أكثر المعاصرين بطابع خاص من آرائه ، حتى عُدَّ مُجدِّداً في هذا العلم ، كما عُدَّت نظرياته مماثلة لنظريات شيخنا الخراساني ، صاحب الكفاية . وكان لِبَحثه مِيزة خاصَّة ، لِدِقَّة مسلكه ، وغموض تحقيقاته ، فلا يحضره إلا ذوو الكفاءة من أهل النظر ، ولا مجال فيه للناشئة والمتوسطين ، لقصورهم عن الاستفادة منه".
نتحدث عنه هنا باعتباره فقيها ممارسا للسياسة، مدافعا عن المواطنة بركنيها الأساسيين (الحرية والمساواة) من خلال مواقفه السياسية وتأصيله الفقهي لذلك، في رسالته "تنبيه الأمة وتنزيه الملة" التي تحدث عنها الشهيد مرتضى مطهري بإعجاب كبير حيث قال: "لم يفسر التوحيد العلمي والاجتماعي والسياسي في الإسلام، تفسيراً دقيقاً أفضل من تفسير العلامة والمجتهد الفذ المرحوم الميرزا محمد حسين النائيني المستدل والمستشهد بإتقان من القرآن ونهج البلاغة في كتابه القيم "تنبيه الأمة وتنزيه الملة"، وإنّ كل ما كان يقصد من أمثال الكواكبي حول التوحيد فإن المرحوم النائيني أثبته في ذلك الكتاب بأدلة إسلامية"، ثم يضيف مطهري مبينا رأيه في سبب سحب الكتاب: "ولكن مع الأسف إن محيط الجهل الذي عمّ مجتمعنا هو الذي دفع المرحوم النائيني إلى السكوت والصمت بعد نشره الكتاب".
وقد حظيت الرسالة قبل ذلك بالثناء الكبير من المرجعين الآخوند محمد كاظم الخراساني والشيخ عبد الله المازندراني اللذين كانا قطبين فيما عرف بحركة المشروطة، وهي الحركة التي كانت تدعو لحكومة دستورية في إيران، فكان الشيخ النائيني بكتابه هذا منظر الحركة ومفكرها.
حركة المشروطة التي تؤرخ بالعام 1906م كانت تهدف إلى تقييد السلطة الملكية المطلقة للشاه القاجاري آنذاك عن طريق دستور يحدد صلاحياتها بدقة بالإضافة إلى مجلس نيابي يقوم بالمراقبة والمحاسبة منعا للاستبداد، وهذا ما قام الشيخ النائيني بالتنظير له. وقد عورضت هذه الحركة بأخرى مضادة عُرِفت بالمستبدة، وأثيرت حولها الكثير من الأسئلة والمغالطات الأمر الذي دعا الشيخ النائيني للرد عليها في رسالة مستقلة تقوم على الاستدلال الصناعي الفقهي مؤصلة لمبدأين هامين من أسس المشروطة هما الحرية والمساواة.
وقد أحسن الدكتور توفيق السيف صنعا حين أفردها بكتاب صدر في العام 1999م حمل عنوان (ضد الاستبداد) حيث قام بترجمة الرسالة كاملة ودراستها والظروف المنتجة لها دراسة وافية، كما قام رشيد الخيون في العام 2006م بإصدار كتاب بعنوان: (المشروطة والمستبدة مع كتاب "تنبيه الأمة وتنزيه الملة")، بترجمة الشيخ الشاعر صالح كاشف الغطاء والمعروف بالجعفري (1904-1979). والكتابان ضروريان لمن أراد استيعاب الرسالة وظروفها جيدا.
وسنكتفي في الحديث القادم والذي يليه بإلقاء بعض الضوء عن دفاع الشيخ النائيني عن الحرية والمساواة نظرا للأهمية القصوى لذلك، وعلاقتهما الوطيدة بالمواطنة.