دلوني على المواطنة
حتى نتأكد من وجود مواطنة في دولة ما، لا بد من وضعها على المحك أمام جملة من التساؤلات التي يتبين منها الخيط الأبيض من الخيط الأسود من المواطنة أو عدمها.
أول هذه التساؤلات يتعلق بوجود أو عدم وجود عقد اجتماعي ينظم العلاقة بين الأفراد بعضهم بعضا وبينهم وبين الدولة. وهذا العقد لن يكون إلا عند بروز الفرد كذات لها شخصيتها المستقلة التي تستطيع التعبير عنها بحرية تامة، وذلك كي يكون العقد معبرا حقيقة عن محصلة مجموع الإرادات الفردية للمواطنين.
إن غياب النزعة الفردية في المجتمعات العربية، واندكاك الأفراد في البوتقات الفرعية كالقبيلة والطائفة والمنطقة يجعل من إمكانية قيام المواطنة أمرا عسيرا، حيث تظل الولاءات التقليدية أقوى من الانتماء للكيان السياسي للدولة.
يعبر هذا عن نفسه عند إجراء الانتخابات مثلا، حيث لا تتم المنافسة بناء على برامج موضوعية يختار من بينها الناخب مرشحه، وإنما تتم بناء على الانتماءات الضيقة للمرشحين.
ثاني هذه التساؤلات حول وجود التشريعات التي تبين بشكل غير ملتبس حقوق المواطن وواجباته، وتضمن تحقيق الحرية والمساواة والمشاركة السياسية والمسؤولية الاجتماعية.
بالطبع لا يكفي وجود التشريعات ضمانة لتطبيقها على الأرض، بل لا بد من وجود آليات تجعل الناس يشعرونها واقعا ملموسا في مفاصل حياتهم اليومية.
ثالثها عن مدى الثقافة والوعي القانونيين بين المواطنين.
رابعها عن مدى سيادة القانون، وما إذا كان يتم تطبيقه على الجميع دون تمييز، أم أنه يطبق بشكل انتقائي يخدم القوي الذي يكون دائما فوق القانون.
خامسها عن قيم المواطنة السائدة من تسامح وقبول بالتنوع والتعددية واحترام مشاعر الآخرين والإيمان بالحرية والمساواة والعيش المشترك وغيرها من قيم التعايش السلمي.
سادسها عن المشاركة في تدبير الشأن العام، وممارسة حق الانتخاب والترشح للوظائف العامة.
سابعها عن وجود مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات وهيئات ونقابات ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها، ومدى قدراتها التأثيرية في القرار السياسي.
أكتفي بهذا القدر حتى لا أزيد في شعور القارئ بالمسافة الكبيرة الفاصلة بينه وبين المواطنة التي لا تزال حلما بعيد المنال، خصوصا مع استشراء ثقافة الإقصاء والتهميش والتمييز حتى على مستوى المناهج الدراسية التي يُفترض فيها الحياد الإيجابي لصالح المواطنة، بل المطلوب منها أن تربي الأجيال على القيم والمهارات الضرورية لقيام المواطنة الصالحة.