المواطنة: ما هي؟
من المصطلحات التي أصبحت تتداول في العالم العربي اليوم خصوصا بعد ما عرف بثورة الربيع العربي هو مصطلح المواطنة. هذه المفردة لم تكن متداولة في الماضي بشكل كبير حيث كان لحضور الأيديولوجيا الدور الأكبر؛ الإسلاميون يركزون على مصطلح الأمة في دلالته الدينية والعروبيون على نفس المصطلح في بعده القومي.
كان الإسلاميون أو بعضهم يسعى لإعادة مشروع الخلافة الإسلامية أو الدولة الإسلامية الواحدة، ويعتبر أن الدولة القطرية مشروع طارئ، كذلك كان العروبيون يُنَظرون ويتطلعون إلى أمة عربية واحدة يجمعها كيان سياسي واحد.
أما اليوم فقد تبخر الحُلمان وأصبح التعاطي السياسي أكثر واقعية، إذ لا يمكن من الناحية العملية أن يكون مشروع وحدة على أي مستوى ما لم يسبقه ترسيخ لمفهوم المواطنة واستيعاب له وممارسته على أرض الواقع حتى يتحول إلى جزء من نسيج العملية السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
المواطنة مفهوم ولد في الغرب ونشأ وترعرع فيه، وهذا واحد من إشكاليات أقلمة المفاهيم أو توطينها، حيث يظل المفهوم موضع شك وجدال والتباس ومحاولة البحث عن مفهوم مساوق له أو قريب منه أو عن مبررات ثقافية تجعله ابنا شرعيا للتراث السائد الذي يراد توطين المفهوم في أرضه أو محيطه. وبدون ذلك ربما لن يحقق التوطين النجاح المطلوب لأنه سيلقى مقاومة باعتباره جسما غريبا في البنية الثقافية الموروثة.
والمواطنة كغيره من المفاهيم مر بمراحل من النمو والتطور الدلالي حتى استقر أخيرا على وضعه الراهن. كانت المواطنة في الماضي تعني مجموعة من الواجبات والالتزامات التي ينبغي على المواطن الوفاء بها، ولكنها اليوم تشير إلى أمرين وليس إلى أمر واحد، ونعني بهما حقوق المواطن بالإضافة إلى واجباته.
المواطنة اليوم تعني علاقة ارتباطية بين الفرد كعضو ينتمي لأرض محددة جغرافيا وشعب يشاركه الأرض وسلطة تحكمه، وبين الدولة ككيان سياسي مستقل، أو هي الصفة أو الوضع الذي يحصل عليه المنتمي لوطن ما، ليكون مؤهلا لاكتساب حقوقها ومطالبا بأداء واجباتها، ويتم ذلك عن طريق حيازة الجنسية التي تمنح الفرد عضوية كاملة متساوية مع غيره من الأفراد المشتركين معه في هذه الصفة دون "أي تمييز قائم على أي معايير تحكمية مثل: الدين أو اللون أو المستوى الاقتصادي أو الانتماء السياسي والموقف الفكري".
وتعرف دائرة المعارف البريطانية المواطنة بأنها علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة بما تتضمنه من واجبات وحقوق .. وتدل ضمنا على الوصول إلى مرتبة من الحرية مع ما يصاحبها من مسؤوليات . والمواطنة تسبغ على المواطن حقوقا سياسية مثل حق الانتخاب وتولي المناصب العامة وتطلب منه بعض الواجبات مثل دفع الضرائب والدفاع عن الوطن.
إنما أكسب المواطنة أهمية فائقة في عصرنا الحاضر هو بعدها الحقوقي المتمثل مدنيا في مثل حرية الفكر والعقيدة والتعبير والتملك والمساواة أمام القانون، وسياسيا في إدارة الشأن العام والمشاركة السياسية كحق التصويت والانتخاب والترشح للوظائف العامة، واجتماعيا في توفير ما يضمن للفرد العيش الكريم.
لذا فإن المسؤولية الأولى تقع على عاتق النظام السياسي في كل دولة لإرساء مبادئ المواطنة ودعمها وتحويلها إلى واقع معاش من خلال تحقيق العدل والمساواة الاجتماعية بين أبناء الوطن الواحد، وتوفير الحريات العامة، وتعزيز المشاركة.
وهذا ما كان ينبغي أن يسعى إليه الجميع حتى قبل ثورة الربيع العربي التي أتت كردود أفعال على المواطنة المنتقصة التي كان يعاني منها المواطن المهمش.